بقلم: راضي شحادة*
المـُنطلَق العام لخمسة أعضاء لجنة التّحكيم في مهرجان فلسطين للمسرح في دورته الثّالثة كان أساسه المساهَمة في تجذير الحالة المسرحيّة لدى المشامعين (المشاهدين والسّامعين)، والاستفادة من التّجارب السّابقة، وإلقاء الضوء على متطلّبات المرحلة الرّاهنة، بما يخصّ المجال المسرحي، وعلاقته المتينة بما يخصّنا كشعب يطمح تدريجيّاً الى بناء هويّته الوطنية في جميع مجالاته، وبضمنها مجال المسرح، في ظروف صعبة، والتي لا يزال يفتقر الى مسألة تحرّره الوطني ووجوده تحت ظروف سياسيّة معقّدة، ومن ثم إعطاء توصيات للمرحلة القادمة، لكي نستفيد من كل مرحلة نحو خلق حالة مسرحيّة أفضل من سابقتها.
الملفت للانتباه أننّا ذُهلنا لحجم الطّاقات الشبابيّة الإبداعيّة الرائعة المتوقّدة والمشعّة والمبشّرة بالخير، وبخاصة طاقات الممثّلات الـمُشاركات في العروض، وهي ظاهرة تستحقّ الدّعم والتّشجيع.
والأهمّ من كل ذلك، بالنّسبة لنا كَلَجْنة تحكيم، أننا لم نَحكم على الأعمال التي شَامَعْنَاها بناء على جودتها عالميّاً او عربيّاً او فلسطينيّاً، فهي أعمال مشاركة في مهرجان مسرحي يحتوي على تسعة أعمال، وكان علينا، وهذا صِحِّيّ، أن نحكُم على أفضليّة عمل عن عمل آخر، وضرورة حجب بعض الجّوائز عن بعضها، من منطلق أنّ الجّوائز تنطبق على التّفاوت النّسبي في جودتها بالمقارنة فيما بينها فقط، وفيما يخصّ كلا منها على انفراد ضمن.
إنّ النّزعة لدى كل فرقة بأن تحصل على جزء من كعكة الجوائز معناه أنّ على اللجنة أن تقدّم لكل فرقة جائزة عن إحدى هذه العناصر او أكثر من عنصر منها عن أفضل عرض متكامل، او عن التّأليف، او عن الإخراج، او عن السّينوچرافيا، وفي هذه الحالة فما هي الحاجة لمهرجان فيه جوائز؟ ومن هنا كانت الحاجة لتوزيع الجوائز قريبة من النّسبيّة، لأنّ جميع الفِرق بذلت مجهودا كبيراً من أجل المشاركة والمنافسة؛ ولكن بالمقابل كان لا بدّ من إيجاد معادلة ولو نسبيّة بالمقارنة فيما بينها، وليس من خلال معادلة رياضية جافة فيها 1+1=2، فأنت أمام منتوج إبداعي، إيحائي، جمالي، جماعيّ التّجربة، فيه المقاييس عامّة، ولكنّها متفاوتة بين مشارك في التّحكيم وبين محكّم آخر، بحيث تكون مضطرا لحسم الأمور بالرّضوخ لديمقراطيّة التّصويت، وبخاصة أن لجنة التَّحكيم يجب أن تكون فردية العدد، وفي حالتنا هنا كنا خمسة محكّمين، وللحقيقة، وبعد نقاشات مهنيّة ومضنية فإنّنا غالباً ما كنا نتوصّل الى النَّتائج بالإجماع.
تنافست على الجوائز تسعة أعمال مسرحيّة قادمة ومن الدّاخل الفلسطيني، ومن قطاع غزّة، ومن الضّفة الغربيّة وبضمنها القدس، وهذا خير وبركة، وهي مناسَبَة مُحفّزة من أجل التّعارف واللقاء وتبادل الخبرات وتوثيق الصِّلات بين أبناء الشّعب الواحد، وتشجيع الجمهور على ارتياد المسرح وتذوّق الفنون.
لقد احتكَمنا لما شاهدناه من عروض على المنصّة وأمام الجمهور، وليس من خلال فِكْرِنا الـمُسبَق عنها وعن مقدِّميها، ما عدا مسرحيّة "الرّماديّون" من قطاع غزّة والتي شاركت في المهرجان فقط عبر الڤيديو، لأنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي منعت مَنْح تصاريح لطاقم المسرحيّة، ما أدّى الى حرمانهم من تقديم عرضهم على المنصّة مباشرة أمامنا وأمام الجمهور، فاكتفينا بالحكم على العمل فقط من خلال ما توفّر من مشاهدة عبر الڤيديو، فهم بذلك ظُلموا مرّتين، أولا لأنهم مُنعوا من الخروج من غزّة، وثانياً، لأنّه كان من الممكن أن يكون عرضهم منافساً على جوائز أخرى، عدا جائزة السّينوچرافيا التي استطعنا كلجنة تحكيم أن نقيّمها فقط عبر الڤيديو.
(تكوّنت لجنة التحكيم من رئيس اللجنة الدكتور حازم كمال الدّين، وهو عراقي/بلجيكي، ومن فلسطين: رائدة غزالة، نبيل الراعي، أكرم المالكي، وراضي شحادة).
وكل مهرجان وجميعنا بألف خير.
[email protected]
أضف تعليق