المحامي إبراهيم شعبان
أما وقد اقترب تاريخ الإنتخابات الإسرائيلية الخامسة في زمن قصير، وانكشاف الأحزاب العربية التي كانت تشكل القائمة المشتركة وانقسامها إلى ثلاثة أحزاب أو أكثر بمواقف وفلسفات متباينة، وتعدد الأحزاب الصغيرة الإسرائيلية التي بالكاد تعبر نسبة الحسم، ووجود أحزاب يمينية توغل في الدم الفلسطيني كوسيلة لإحراز مزيدا من المقاعد البرلمانية، وفي ظل إمكانية حرق أصوات تقدر بعشرات الألوف من الأصوات إذا لم يعبر حزب ما نسبة الحسم، وفي ظل تراجع متوقع في نسبة التصويت العربية للإنتخابات القادمة، يثور السؤال الجوهري بل الحاسم، كيف يمكن رفع نسبة التصويت لعرب الداخل الفلسطيني، وإقناعهم بالتوجه لصناديق الإقتراع يوم الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، بدل المقاطعة والجلوس في بيوتهم وانتظار النتائج التي ستؤثر على حياتهم وسكنهم واقتصادهم بشكل واضح حيث لا ينفع الندم.
من المتفق عليه أننا أمام نظام فصل عنصري مفروض، وكيان يؤكد على يهوديته من خلال قانون وفلسفة وممارسة، قائم على سلب ألأراضي الفلسطينية وحرمان الفلسطيني من كثير من حقوقه المدنية والسياسية والإجتماعية، وما انفك يخلق عقبات وشروطا كثيرة ليحرم أو يقيد الحقوق الفلسطينية تارة باسم القانون الصهيوني وتارة باسم الأمن وتارة باسم الموازنات وتارة أخرى باسم التجنيد وتارة مستحدثة باسم النصح والإرشاد والإقناع. ولكن هذا قدرنا ووطننا الذي صمدنا فيه ولن نغادره فليس لنا بيت آخر.
من هنا كان التعامل الإجباري الفلسطيني مع مؤسسات هذا الكيان وسلطه الثلاث، سواء أكانت قائمة على الإنتخاب الطوعي أو التعيين، سواء أكانت مركزية أو لا مركزية، سواء أكان الفلسطيني راغبا أو رافضا لهذه الخدمة. فالتحق الفلسطيني المواطن بالمدارس الحكومية طلبة ومدرسين، وتوجه للمستشفيات للإستشفاء مرضى وأطباء وممرضات، وحمل جوزات السفر الإسرائيلية وتنقل بها عبر المعابر الإسرائيلية، وعمل في مرفق النقل والمقاولات سائقا وتقنيا، وتم تعيين البعض في سلك التدريس والطب والمال والبنوك وحتى في مرفق العدالة قضاء ونيابة عامة. وقطعا استثني معظم الفلسطينيين من العمل بقطاعات معينة نتيجة اعتبارات أمنية أو سياسية كالتلفزة والإعلام والحكومة والدبلوماسية وشركات الطيران.
انقسم الفلسطينيون من الإنتخابات الإسرائيلية السياسية البرلمانية تحديدا للكنيست ما بين مؤيد ومعارض. أما الإنتخابات البلدية الإدارية أي للبلديات، فيبدو أن هناك إجماعا للمشاركة فيها ترشيحا وانتخابا. بل تشهد نسبة التصويت في الإنتخابات البلدية نسبة عالية، وبالمقابل تشهد نسبة الإنتخابات النيابية تناقصا مستمرا بل تشهد مقاطعة أحيانا. وهنا يثور سؤال مشروع لماذا يتم التفريق بين الإنتخابات البلدية وبين الإنتخابات البرلمانية وتتعدد الآراء والمواقف، بينما الإنتخاب هو انتخاب سواء اكان لمجلس بلدي أو مجلس تشريعي. فكلا الإنتخابين ينظمه قانون الإنتخاب الإسرائيلي، وشروط الترشيح والإنتخاب متقاربة إن لم تكن واحدة. ويمكن القول أن صلاحيات وزير الداخلية الإسرائيلي وتأثيره تجاه المجالس البلدية أوسع من صلاحية الحكومة تجاه المجلس التشريعي ( الكنيست ) في كثير من القضايا. اي أن الإنتخابين يحكمهما قانون إسرائيلي والمخاطبين في الموضوع المواطن الفلسطيني سواء اتخذ صفة السياسي والبلدي. هذه التفرقة التحكمية يجب أن يعاد النظر فيها، فإما المشاركة في الإنتخابات البرلمانية والبلدية، أو مقاطعة هذه وتلك أما أن نحظر هذه ونجيز تلك فيصعب قبول الفكرة. أما أن نفرق بين ما هو شأن بلدي وما هو شان سياسي، فتفرقة فيها نظر ويصعب التمييز بينهما بل تختلطان.
يجمع المراقبون على اختلاف توجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الحزبية يهودا وعربا، على أن مسألة المشاركة العربية في الإنتخابات القادمة ستحسم الموضوع برمته، فهي بيضة القبان ولسان الميزان، وبخاصة في ظل تقارب المعسكرين، وعدم إمكانية فريق واحد تشكيل حكومة لوحده أو مع حلفائه. فإن علت نسبة التصويت العربية زادت عدد المقاعد العربية، وإن نقصت نسبة التصويت العربية زادت المقاعد الصهيونية اليمينية وليس اليسارية لأن الأخيرين منخفضوا نسبة التصويت. اي أن المواطن العربي الفلسطيني بموقفه من المشاركة أو عدمها سيتخذ قرارا وقد يكون قرارا غير مباشر بمجيء بن غفير وسموتريتش أو اي مواطن عربي بغض النظر عن اسمه ودينه. وليكن كلامي واضحا، حتى لا يساء تفسيرها، فكاتب هذه السطور لا يدعو على الإطلاق للدخول في اية وزارة تشكل، بل للتأثير عليها وعلى قراراتها وموازناتها.
لا أعلم من أدخل في قاموسنا السياسي تلك الفكرة السلبية بمقاطعة الإنتخابات النيابية، تارة بحجة عدم جدواها، وتارة بفشل النواب العرب، وتارة أخرى بنزاعهم وحرصهم على المناصب، وتارة أخيرة بعدم إنجازاتهم. ولا اشك ولو للحظة أن المقاطعة فكرة سلبية جهنمية شيطانية، نظرّ لها نتنياهو ومن شاكله من أجل تحجيم الصوت الفلسطيني وشلّه بدل أن يكون مؤثرا، ولاقت قبولا في المجتمع الفلسطيني وسلم ّ بما ورد فيها، فاستسهلها ولم يدقق في حججها وكأنها مصادرة على المطلوب. وأغلب الظن عندي أنها كلمة حق قصد بها باطل. فكرة المقاطعة ليس بها اية ذرة إيجابية، بل تصبح متفرجا مراقبا لصنع الأحداث التي ستحدد مصيرك وتكتفي بلعن الزمان والمقادير دون أن تحرك أو تقوم بعمل ما. ويجب أن ننوه هنا أن هناك فارقا جوهريا بين مقاطعة الإنتخابات البلدية في شرقي القدس بعد الإحتلال الإسرائيلي لها وبين فكرة المقاطعة في الداخل الفلسطيني.
فماذا يستطيع البرلمانيون العرب الفلسطينيون أن يصنعوا في مجلس يتحكم به غلاة الصهاينة، ماذا يستطيعون أن يفعلوا وكيف لهم يوقفوا المد الصهيوني مثل قانون يهودية الدولة، ومتى كان هناك سلطة وحكومة تأخذ بالمصلحة العربية بعين الإعتبار في أي قطاع من القطاعات شرطة أو إسكانا أو تخطيطا، ومتى اعتبرت مشاركة الداخل سوى قطعة من الفسيفساء الخادع للنظر والمزين للإطار الإسرائيلي. ألا تتذكرون كيف رفعت الكنيست نسبة الحسم حتى يحولون دون دخول النواب العرب في الكنيست فهل نلبي طلبهم ورغبتهم بإرادتنا الذاتية عبر المقاطعة وعدم المشاركة. وهل حصولهم على رواتب ومكافئات كأعضاء الكنيست كافة يشكل تهمة لهم؟ وسيبادر البعض قائلا ها أنت بعظمة لسانك تقرّ أن النواب العرب أعجز من أن يغيروا من سياسة الحكومة. وأرد بقولي بالله عليكم ألا يتوقف إنجاز اي مجلس بلدي على موافقات وموازنات وزير الداخلية الإسرائيلي الذي قد يكون درعي أوشاكيد. وفوق هذا وذاك فالناخب الفلسطيني بمشاركته الحثيثة في الإنتخابات يحول دون قدوم من هم أمثال بن جفير وسموتريتش لحظيرة الكنيست، ويمهد الدخول لأخ عربي فلسطيني وشغل ذلك المقعد مهما كانت صفاته وشيمه. ويستطيع النائب العربي أن يحول دون قوانين عنصرية أو يقترح قوانين إيجابية أو يؤثر في السياسات الإسرائيلية بقدر ما. فالأمور لا يمكن أن تكون شديدة السواد أو ناصعة البياض، فهناك يقبل الرمادي أحيانا في ظل ظروف ما. وتبقى قدرات النائب محدودة وهو لا يستطيع أن يأتي بالمعجزات، وبشر يتنازع مع غيره.
اما التمني بأوهام وخلق أجسام عربية رديفة للبرلمان الإسرائيلي من أجل إنجاح فكرة المقاطعة الإنتخابية فهو وهم وسراب. وحظ مثل هذه الأفكار السقوط والحظر من ناحية قانونية. فلا تعللوا النفس ولا تقامروا من أجل فكرة لا حظ لها في الوجود. وغريب أن تصدر مثل هذه الأفكار غير السوية قبل يوم الإنتخابات بفترة قصيرة. هناك من يعبث بمصير هذا الشعب سواء بسوء نية أو بحسنها.
ليذكر الناخب العربي الفلسطيني أن وجوده المادي على أرض فلسطين كان سببا قويا للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، ولا بد من تعزيز هذا الوجود وهذه الحقوق، وفضح الممارسات الإسرائيلية وخروقاتها، في القدس وفي الأراضي المحتلة. فبادروا وصوتوا، لا يهم لمن تصوتوا للجبهة أو التغيير أو التجمع أو المستقلة، وليكن صوتكم مجلجلا، ومشاركتكم فعالة ونسبة تصويتكم مثل نسبتها في الإنتخابات المحلية،لأنكم أنتم وأنتم وحدكم تستطيعون قلب الطاولة، وتغدون الرجاء الوحيد في هذا الظلام الدامس فلا ينسب إلى ساكت قول.
[email protected]
أضف تعليق