كثيرا ما نشعر بالصدمة الشديدة عند معرفة أنباء عن وفاة أحد المشاهير، رغم أنه لم يسبق أن جمعتنا به علاقة متبادلة أو سابق معرفة شخصية.
ويقول الخبراء إن الخسارة شخصية بالفعل ولا يمكن إنكارها، فهو حزن يتجاوز افتقاد عزفهم الموسيقى، أو قدرتهم على التمثيل، أو إمكانياتهم على إفادة العالم بخبراتهم في المجالات المختلفة.
وتقول المعالجة النفسية الأميركية أنيسا هانسون إن الحداد على وفاة أحد المشاهير الذين نحبهم أحيانا لا يقل أهمية عن أي وفاة أخرى ضمن دوائر معارفنا المباشرة، مشيرة إلى أن عدم لقاء المعجبين المباشر بالشخصيات العامة لا يعني قط أن شعور الحزن غير منطقي، أو أنه مبالغ فيه، وفق تعبيرها.
تجمعنا روابط عاطفية عميقة
بشكل عام، تختلف علاقاتنا مع المشاهير عن علاقاتنا اليومية الحميمة مع المقربين من الأهل والأصدقاء، ويقول موقع "سيكولوجي توداي" (Psychology Today) لعلم النفس، "تعتمد علاقتنا العاطفية مع الشخص المؤثر على توقعاتنا لما نريد أن يمثله هذا الشخص لنا خلال اللحظات المؤثرة في حياتنا".
على سبيل المثال، نحزن على خسارة ما مثلته لنا موسيقاهم أو شخصياتهم الدرامية أو مداخلاتهم الدينية أو أبحاثهم العلمية وربما مسيرتهم السياسية، وأثرها على حياتنا.
وتكمُن الحقيقة في أننا نرتبط بالمشاهير عن بُعد لأننا نميل إلى تخليدهم من خلال تجارب الحياة والذكريات التي خضناها أثناء تعرضنا للمحتوى الذي شاركونا فيه.
في حالات أخرى، ننجذب نحو شخصية مشهورة لأننا نجد فيها سمات لها صدى في حياتنا، وتقول الأخصائية النفسية الأميركية ليزا باهار "في كثير من الأحيان تكون الشخصيات المشهورة مرتبطة بتجاربنا الخاصة، ورحلاتنا الفردية، أو تشير إلى جزء من ذاتنا لم يتم تطويره بالكامل".
علاقة صداقة من طرف واحد
يمكن للمنشورات المطبوعة والمحتوى المرئي والمسموع عبر الإنترنت، بالإضافة إلى الكتابات عبر الحسابات الشخصية على مواقع الشبكات الاجتماعية، أن تزيد من شعورنا بالاتصال العاطفي مع المشاهير والشخصيات العامة.
ومجرد رؤية نشاطاتهم في الوسائل المختلفة قد يعني للبعض أنهم يتواصلون بشكل متبادل بطريقة معينة، وبالتالي عند وفاة الشخص المؤثر وانقطاع هذا النوع من التواصل، حتى وإن كان من طرف واحد بين مشهور ومتابع، فقد يشعر الشخص بالفقد والحزن الشديد كما لو كان قد فقد صديقا أو عزيزا عليه فجأة من دون مقدمات.
يذكرنا احتضار المشاهير بحقيقة الموت
قد ننزعج أيضًا من وفاة المشاهير لأن وفاتهم تذكرنا بالموت، وتقول مؤسسة "إس بي إس بي" (SPSP) لتطوير الذات وعلم النفس، إننا جميعا لدينا خوف من الموت بدرجة أو بأخرى.
نتعامل مع هذا الخوف على الأغلب من خلال عدم التفكير في الأمر مليا، لكن عندما يدفع شيء ما إلى تذكيرنا بفنائنا وحقيقة وقوة الموت الحتمي، فقد يكون الأمر مزعجا وصادما أحيانا.
ويشير أستاذ علم النفس إريك ويسلمان بجامعة ولاية إلينوي الأميركية، إلى أنه عندما يموت المشاهير أو يتم تشخيص إصابتهم بأمراض تهدد حياتهم، فإن ذلك يُعد تذكيرا مخيفا بالشيخوخة والموت.
الحزن على وفاة المؤثرين بسبب الحنين للماضي
ليس ضروريا أن تكون لنا علاقة مباشرة مع أحد المشاهير حتى نشعر بالحزن عندما يموتون، إذ قد نشعر بالحزن بسبب الحنين إلى الماضي.
وبشكل عام، يتأثر الكثيرون بوفاة الشخصيات العامة التي كان لها دور ما خلال طفولتهم أو مراهقتهم، لذلك عندما يموت الشخص المشهور، يمكننا أن نشعر وكأننا فقدنا جزءا من أنفسنا وماضينا.
تأثير الإعلام والناس من حولنا يصيبنا بالحزن
غالبا ما يكون خبر وفاة الشخصية المشهورة أو العامة منتشرا ونراه في كل مكان، ويتم إذاعته مرارا وتكرارا عبر التلفزيون والراديو ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي والصحف.
يمكن أن يكون هذا التعرض المستمر ضاغطا ومربكا للكثير من الناس، وبالتالي يمكن أن يجعل من الصعب الحصول على استراحة من المشاعر الحزينة تأثرا بالموت، بحسب موقع "واتس يور جريف" (What’s Your grief).
علاوة على ذلك، قد تساهم أيضا طريقة تعامل الناس من حولنا مع الخبر على استجابتنا للأمر، وبالتالي لا نحزن فقط على الشخصيات المؤثرة في ماضينا وحياتنا الشخصية، بل على من أثروا في حياة أحبتنا والمقربين منا أيضا.
اسمح لنفسك بالحزن
يقول خبراء التعافي من الصدمات والصحة النفسية بحسب مجلة "تين فوغ" (Teen Vogue)، إنه يجب أن يمنح الشخص نفسه المساحة للشعور بأي مشاعر يعاني منها من دون إصدار الأحكام، إذ ليس من الضروري معرفة الشخص المتوفى بصورة وثيقة لكي نحزن على وفاته، ونتأثر من فكرة انتهاء رحلته وتأثيره في الحياة.
لهذا السبب، من المهم أن يدع الناس أنفسهم يشعرون بالخسارة عندما يموت شخص مشهور كانوا معجبين به وبأعماله مهما كان تخصصه.
وكلما كانت تجارب الفرد أكثر ثراء فيما يتعلق بالمشاعر المختلفة، زاد نموه ونضجه بشكل عام، حتى وإن كانت التجارب مؤلمة وحزينة. "الجزيرة"
[email protected]
أضف تعليق