شاع بين النّاس فتوى بأنّ المرأة لا يلزمها القيام بشؤون البيت من طبخ وتنظيف ونحو ذلك وينسب البعض هذا القول لجمهور الفقهاء وهو يظنّ أنّه بذلك يعكس مدى مكانة المرأة في المجتمع وما علم أنّه بذلك قد يَفتِكُ بالمرأة والأسرة والمجتمع !!!
الحقيقية إنّ نسبة هذا القول للجمهور عند التحقيق غير دقيقة وذلك لأنّ عند الحَنَفيَّةِ - ديانةً- وهو حاصل كلام جمهور المالِكيَّةِ وبعض الحنابلة وجوب قيام المرأة بشؤون البيت الداخلية التي جرى العرف أن تقوم بها ، وهذا ما أفتى به ابنُ تيميَّةَ وابن القَيِّمِ، وابن حجَرٍ العسقلاني من الشافعية والمرداويِّ من الحنابلة .
وبناءً عليه: المرأة ملزمة بشؤون البيت من طبخ وتنظيف وغير ذلك لأن العرف قد جرى بذلك والقاعدة الفقهية تقول " المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا " استنادًا لقوله تعالى : " وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ "
وليس في ذلك انتقاص من قدر ومكانة المرأة
وليس في ذلك انتقاص من قدر ومكانة المرأة بل إنّ المرأة إذا نوت ذلك قربة وطاعة لله تعالى نالت أجرًا عظيمًا لا يقل عن فضل قيام اللّيل وصيام التطوع .
ففي الحديث الصحيح: "إذا صلَّت المرأةُ خمسَها وصامت شهرَها وحفِظت فرجَها وأطاعت زوجَها قيل لها ادخُلي الجنَّةَ من أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شئتِ".
وهذه السّيدة فاطمة رضي الله عنها لما شكت ما تلقَى من الخِدمةِ، لم يقُلِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِزوجها عَليٍّ رضي الله عنه : لا خِدمةَ عليها ولم يرَ بذلك انتقاصًا من قدرها ومكانتها وهي من أشرف نساء العالمين قاطبةً !!!
ولم تترفع أمهات المؤمنين وهن خير الخلق في كل فضيلة عن القيام في شؤون البيت ومستلزماته فهذه أمِّ المؤمنين عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كنتُ أغسِلُ الجَنابةَ مِن ثَوبِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَخرُجُ إلى الصَّلاةِ، وإنَّ بُقَعَ الماءِ في ثَوبِه ))، وفي لفظِ مُسلمٍ: ((لقد رأيتُني أفرُكُه من ثوبِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَركًا، فيُصَلِّي فيه )) .
عليه أن يبادر بمساعدتها ومساندتها وهذا من كمال مروءة الرجل
وبالمقابل يجب على الزوج أن يقدّر ويثمّن لزوجته قيامها بهذا الدّور الشريف وأن يشكرها ويثني على دورها ويشعرها بأنّ ذلك يقوّي أواصر العلاقة بينهما وعليه أن يتفهم نفسيتها وظروفها ويعذرها إذا ضعفت أو تعبت أو سئمت في يوم من الأيام ولا يكون في بيته كالشرطي أو المفتش يتتبع الزلات والعثرات والهفوات .
بل عليه أن يبادر بمساعدتها ومساندتها وهذا من كمال مروءة الرجل ويدلّ على نضوجه وعِظَمِ مسؤوليته وقوامته وعمق إنتمائه لأسرته .
فإنّه صلّى الله عليه وسلّم - وهو سيد الخلق - كان يخدم أهله ونفسه ومن ذلك غسل ثوبه ، ففي مسند الإمام أحمد عن عروة عن أبيه، قال: " سأل رجل السّيدة عائشة رضي الله عنها هل كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعمل في بيته شيئًا، قالت: نعم كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخصِفُ نعلَهُ ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته " .
وليحذر الخطباء والوعاظ ومن يتصدر الإفتاء من نقل كلام الفقهاء الذين لا يوجبون على المرأة القيام بشؤون البيت الداخلية من تنظيف وطبخ دون بيان العلّة التي لأجلها قال هؤلاء الفقهاء قديمًا بعدم الوجوب لأنّه بذلك - من حيث لا يقصد - قد يخدم بعض الأفكار الهدامة التي تسعى للتحقير من رسالة المرأة السّامية في بيتها تجاه زوجها وأبنائها وأسرتها.
والله تعالى أعلم
أ . د . مشهور فواز رئيس المجلس الإسلامي للإفتاء في الداخل الفلسطيني 48
[email protected]
أضف تعليق