ادى وباء الكورونا الى ادراج موضوع الصحة العالمية على جدول الأعمال اليوميّ، لكن حين يكون الحديث عن اوبئة قاتلة اخرى، والتي تحصد ارواح الكثيرين، تبدو الكورونا اقل خطورة. تصلب الشرايين وتبعاتها على سبيل المثال، تعتبر احد الأسباب الرئيسة للوت في العالم الغربي خلال العام 2021، وهو يحتل المكان الثاني بعد مرض السرطان.

يموت كل عام في اسرائيل قرابة 10000 شخص، بسبب تصلب الشرايين في القلب. بالإضافة الى ان هناك قرابة 15000 شخص يتلقون العلاج بعد اصابتهم بنوبة قلبية، بسبب تبعات تصلب الشرايين. وعدد المصابين يشبه عد المصابين في الولايات المتحدة وكندا.

لكن رغم عدد المصابين الكبير ما يزال هناك نوع من الأمل. اذ خلال العشر سنوات الأخيرة انخفض عدد الوفيات بسبب امراض القلب بصورة ملحوظة. مثلا بين السنوات 2016-2014 سجل انخفاض بنسبة 33% في عدد وفيات الرجال بسبب امراض القلب، وانخفاض بنسبة 37% لدى النساء، قياسا للسنوات 2007-2005.

يعود سبب الانخفاض الى التوعية التي ارتفعت حول اهمية الحفاظ على نمط حياة صحي اكثر، بالإضافة الى وصول علاجات جديدة تمنع امراض القلب والأوعية الدموية. لكن السبب الأكبر لهذا هو مواجهة احد اكثر الأسباب المركزية لتصلب شرايين القلب، ونقصد بهذا قيمة الكولسترول الزائدة.

الكولسترول هو عنصر هام لوظائف الخلايا والجسم

تقول د.حوفيت كوهين، مختصة في الأمراض الداخلية والغدد الصماء، ومديرة عيادة الدهنيات في مركز شيبا تال هشومير: "الكولسترول هو عنصر هام لوظائف الخلايا والجسم، وهو مهم لمبنى اغشية الخلايا، وينتج منه فيتامين "د" وهورمونات مختلفة. لكن حين يرتفع مستواه في الجسم، فهو يتراكم تحت جدران الأوعية الدموية، حتى انتاج آفة تصلب او لوحة تتكون من جزيئات الكوليسترول المؤكسد، خلايا التهاب وخلايا اضافية. على مر السنوات تتنمو هذه الآفات وتمر بحالة تكلس، ومع مرور الزمن تسبب ضيقًا تدريجيًا في الأوعية الدموية، وتضر في عملية تزويد الدم لأعضاء مهمة مثل القلب والدماغ.

معظم الكولسترول الذي يحتاجه الجسم ينتج عن طريق الكبد، وجزء منه يصل من نظام غذائي مصدره الحيوانات . ونظرًا لأنه مادة دهنية غير قابلة للذوبان في الماء، فإن الكوليسترول يتحرك في مجرى الدم داخل هياكل دهنية بروتينية تسمى البروتينات الدهنية، والتي تختلف في الحجم والتركيب الكيميائي والكثافة.

توضح الدكتورة كوهين أن البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة، هي تلك التي تحتوي على الكوليسترول المرتبط بالميل إلى الترسب على جدار الأوعية الدموية، وبالتالي يطلق عليها "الكوليسترول الضار" أو جزيئات LDL

نوع آخر من البروتينات الدهنية عالية الكثافة ينقل الكوليسترول مرة أخرى ليتم تفتيته في خلايا الكبد، ويلعب دورًا في منع تصلب الشرايين، وهذا هو سبب تسميته بـ"الكوليسترول الجيد"، أو في اللغة العلمية جزيئات HDL.

خلال المائة عام الماضية، حاولت العديد من الدراسات بحث العلاقة بين ارتفاع مستوى الكوليسترول في الدم وتصلب الشرايين. تؤكد الدكتورة كوهين: "في الوقت الحاضر، يمكن الإثبات أن ارتفاع مستوى الكوليسترول في الدم، وخاصة ارتفاع مستوى البروتين الدهني منخفض الكثافة، يسبب تصلب الشرايين ومضاعفاته المختلفة، ويؤكد الدكتور كوهين أن هذه البراهين تستند إلى بيانات مرضية ووبائية ووراثية وسريرية.

ما مدى تأثير علم الوراثة؟
"مستويات الكوليسترول المرتفعة في كثير من الحالات، سببها وراثي، ويمكن أن تظهر أيضًا في مرحلة الطفولة. على سبيل المثال، زيادة الكوليسترول العائلي أو فرط كوليسترول الدم العائلي (FH) هو مرض وراثي، يسبب زيادة كبيرة في مستويات الكوليسترول في الدم. تظهر زيادة في مستويات الكوليسترول بالفعل في الطفولة المبكرة، ويصاحبها تسارع عمليات تصلب الشرايين، في الترسب المفرط للكوليسترول في جدار الأوعية الدموية وفي العمليات الالتهابية في آفات التصلب. أهمية هذا الاستعداد الوراثي هائلة - 85% من الرجال الذين يحملون FH سيصابون بنوبة قلبية في سن الستين، وثلث النساء الحاملات سوف يصبن بأزمة قلبية في سن الستين".

ارتفاع قيم الكوليسترول في الدم لا يسبب أي ألم أو أي شعور آخر يشير إلى وجود مشكلة. لذلك فإن تراكم الكوليسترول في الأوعية الدموية هو عملية صامتة ولكنها خطيرة. ومن ثم ينبغي الشروع في الفحوصات الطبية الروتينية لتشخيص الحالة وبدء العلاج في أقرب وقت ممكن.
توضح الدكتورة كوهين: "يتم التشخيص من خلال فحص كامل لنسبة الدهون في الدم، والذي يتضمن مستويات الكوليسترول والدهون الثلاثية، يمكن اجراء الفحص بسهولة في جميع صناديق المرضى، ويجب توخي الحذر خلال أداء ذلك خاصةً لدى العائلات التي لها خلفية في النوبات القلبية، أو ارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم أو الموت المفاجئ في سن مبكرة".


وماذا نفعل حين نتلقى ردًا إيجابيًا بوجود ارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم؟ في مثل هذه الحالات، يجب إجراء تغييرات في نمط الحياة بهدف تقليل مستوى الكوليسترول. توضح الدكتورة كوهين أن "خفض قيمة الكوليسترول من خلال وسائل لا تحتوي على ادوية لها أهمية كبيرة في الحد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية".


يمكن أن يكون للعلاج الوقائي، الذي يشمل مزيجًا من التغذية المناسبة والنشاط البدني، تأثير كبير. تقول كوهين: "إن أكبر فائدة تكمن في اعتماد أنماط غذائية شاملة، وخاصة مكونات حمية البحر الأبيض المتوسط، وهو نظام يعتمد على الاستهلاك العالي للفواكه والخضروات والدهون الأحادية غير المشبعة (بشكل أساسي زيت الزيتون) كمصدر رئيسي للدهون، الاستهلاك المعتدل للأسماك والدجاج ومنتجات الألبان قليلة الدسم، والتقليل من استهلاك اللحم البقري والبيض، وشرب الخمر باعتدال".

"حمية البحر الأبيض المتوسط" أدى إلى انخفاض بنسبة 30% في خطر الإصابة بأمراض القلب

تستند اقوال كوهين إلى أدلة علمية. في دراسة كبيرة نُشرت مؤخرًا، والتي أجريت على 7000 مريض معرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب، وجد أن اتباع نظام غذائي "حمية البحر الأبيض المتوسط" أدى إلى انخفاض بنسبة 30% في خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
اتباع أسلوب حياة صحي أمر ضروري لجميع السكان، ومع ذلك، فالمرضى المعرضون لخطر كبير مثل أولئك الذين يعانون من أمراض القلب أو مرض تصلب آخر أو مرض السكري، فإن هذا لا يكفي، وبالنسبة لهم فالعلاج الدوائي ضروري.

توضح الدكتورة كوهين أن "التوازن الطبي لمستويات الكوليسترول يتعلق بملاءمة شخصية لكل مريض، أكثر الأدوية شيوعًا لخفض مستويات الكوليسترول في الدم هي الستاتين، الذي يعيق عملية إنتاج الكوليسترول في الجسم، وأثبتت ابحاث كثيرة فعالية العلاج بواسطتها، مع انخفاض كبير في الوفيات ومرضى أمراض القلب والأوعية الدموية. بالإضافة إلى الستاتين، هناك أيضًا أدوية أخرى لخفض الكوليسترول عن طريق اعاقة امتصاصه في الأمعاء.


"اكتشاف فريد من السنوات الأخيرة يسمح بإعطاء حقنة تعيق نوعًا من البروتين في الدم. ويؤدي اعاقة نشاط هذا البروتين إلى زيادة إزالة الكوليسترول في الدم من خلال خلايا الكبد، وبالتالي يؤدي إلى انخفاض كبير في قيم الكوليسترول في الدم. هناك دواء مبتكر آخر يعيق إنتاج نفس البروتين بآلية مختلفة ويعطى مرة كل ستة أشهر، ويجرى المصادقة عليه. هناك أيضًا علاجات مكثفة مخصصة لمرضى ما بعد متلازمة الشريان التاجي الحادة"، هكذا تشير د.كوهين.


"لدى هؤلاء المرضى يكون خطر حصول حدث مرتبط بأمراض القلب والأوعية الدموية في السنة الأولى من الحدث مرتفعًا للغاية ويبلغ 40%، وهو أعلى بمرتين من المرضى الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية المستقرة. لهذا السبب، يجب أن يكون العلاج الوقائي سريع ويجب أن يبدأ في قسم العناية المركزة، وهدفه هو خفض قيم الكوليسترول في الدم بدرجة عالية، وبالتالي تقليل مخاطر الموت القلبي والنوبات القلبية والسكتة الدماغية وأمراض القلب والأوعية الدموية المتكررة" هكذا تنوه د.كوهين.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]