سبع نقاط رئيسيّة وردت في مذكّرات كوشنر حول المُصالحة الخليجيّة و”سلام أبراهام” تحتاج إلى رد.. لماذا همّش الوِساطة الكويتيّة؟ وادّعى البُطولة في إطفاء فتيل حرب النفط بين السعوديّة وروسيا؟ وما مدى صحّة روايته حول ارتباك لحظة التّوقيع على اتّفاقات السّلام في البيت الأبيض؟ ولماذا قال “رُبعَ” الحقيقة فقط؟
عبد الباري عطوان
تُفيد المُقتطفات “الأوّليّة” التي نشرت حتى الآن في عددٍ من المنابر الإعلاميّة الأمريكيّة، حول مذكّرات جاريد كوشنر صِهر الرئيس الأمريكي السّابق دونالد ترامب “Breaking History”، بأنّه كان بمثابة “السّوبرمان” عندما يتعلّق الأمر بمِنطقة الشّرق الأوسط، يأمُر القادة والمسؤولين العرب ولا يَجِد منهم إلا الطّاعة، وصوّر نفسه على أنه القادر على رسم السّياسات، وفرض الشّروط، وصياغة اتّفاقات سلام، وترتيب الصّفقات الماليّة والعسكريّة.
***
حتى نكون على درجةٍ عاليةٍ من الدقّة، ونُترجم ما قُلناه سابقًا إلى وقائع عمليّة ومُوثّقة، يُمكن إيجاز “إنجازاته” و”بُطولاته” في مِنطقتنا العربيّة طِوال السّنوات الأربع التي عَمِلَ أثناءها كمُستشارٍ للرئيس ترامب في النّقاط التّالية:
أوّلًا: ادّعى كوشنر أنه قام بوِساطةٍ بين السعوديّة وروسيا أثناء حرب النفط بين البلدين حيث كان الرئيس بوتين يضغط على السعوديّة بقُوّةٍ لخفض إنتاجها ومنظّمة أوبك، من أجل رفع الأسعار، ووظّف علاقاته مع رجل أعمال مُقرّب من بوتين للتوصّل إلى تسويةٍ مقبولة بخفض الإنتاج، وهي تسويةٌ ساعدت أيضًا بإنقاذ انخِفاض صناعة النفط الأمريكيّة من الانهيار بسبب انخفاض الأسعار تحت سِعر 40 دولارًا للبرميل، وهذا خَطٌّ أحمر (كان سِعر البرميل 38 دولارًا في حينها).
ثانيا: إحباط مشروع قرار مِصري جرى التقدّم به إلى مجلس الأمن لإدانة قرار إسرائيلي بضمّ الضفّة الغربيّة باعتباره غير شرعيّ، واستَعان نتنياهو به بعد أنْ تبيّن أنّ باراك أوباما بصدد عدم استِخدام الفيتو ضدّه، والامتناع عن التصدّي، فبادر كوشنر بالاتّصال بالسّلطات المِصريّة باسم الرئيس ترامب، لسحب مشروع القرار، وفِعلًا تمّت الاستِجابةُ لطلبه.
ثالثا: تباهى في كسْر البروتوكول الأمريكي للسّماح للأمير محمد بن سلمان الزّائر لواشنطن في تلك الفترة، أوائل عام 2017، بتكليفٍ من الملك لترتيب زيارة ترامب للمملكة بتناول طعام الغداء على مائدة الرئيس في البيت الأبيض، حيث يمنع البروتوكول تناول الرئيس الغداء مع أيّ ضيف أقل من رئيس دولة، أو الرّجل الثاني فيها، وكان الأمير محمد بن سلمان في حينها الرّجل الثالث في الدولة السعوديّة، ووليًّا لوليّ عهدها، وجرى التّفاهم أثناء المأدبة على تعهّد السعوديّة بوقف تمويل الإرهاب، وتحسين مِلف حُقوق المرأة، وتسديد نفقات القوّات والقواعد الأمريكيّة على أرضها.
رابعًا: لعب دورًا كبيرًا ورئيسيًّا في تحقيق المُصالحة بين الشيخ تميم أمير دولة قطر والأمير محمد بن سلمان، وقيامه بترتيب مُكالمة هاتفيّة بين الأميرين من مكتب الأمير تميم في الدوحة بناءً على حمله رسالةً مُقترحةً من الأمير السعودي إلى نظيره القطري تَعرِض حُلولًا للأزمة.
خامسًا: أكّد أنه وفريق عمله، كان خلف إعداد وصياغة وثائق اتّفاقات “سلام أبراهام”، وقام بإقناع الإمارات بالانضِمام إلى البحرين، بالانخِراط في السّلام المذكور حتّى لا تظل “وحيدة” (أيّ البحرين) وبِما يُشَجِّع أطرافًا أُخرى للانضِمام إلى هذه المسيرة.
سادسًا: كشف عن أسرار الارتباك الذي ساد حفل التّوقيع على اتّفاقات “سلام أبراهام” بحُضور وزيريّ خارجيّة البحرين والإمارات إلى جانب الرئيس ترامب وبنيامين نتنياهو، وقال إنّ الوزيرين حَصَلا على وثائق باللٍغات الثّلاث الإنجليزيّة والعبريّة والعربيّة، ولكن عند التّوقيع حصَل ارتباك وبحث الوزيرين العربيّين عن مكانِ التّوقيع، لأنّ الوثيقة المُقدّمة لم تكن بالعربيّة على ما يبدو.
سابعًا: استعان بشقيقته لمُساعدته في ترتيب حفل التوقيع في باحة البيت الأبيض بحُضور 700 مدعو من السّفراء والدّبلوماسيين وكِبار رجال الدّولة، وكأنّنا في أحد الدول العربيّة حيث المحسوبيّة والخلط بين العام والخاص، إلى جانب الاستِعانة ببعض رُموز اللّوبي اليهودي، خاصَّةً ديفيد فريدمان الذي أصبح سفيرًا لأمريكا في “إسرائيل” لاحقًا وكان أحد أبرز من وقفوا خلف قرار نقل السّفارة الأمريكيّة من تل أبيب إلى القدس المُحتلّة.
***
من المُؤكّد أن كوشنر مُهندس صفقة القرن واتّفاقات التّطبيع الإبراهيمي، كان يستمدّ قوّته من كونه صِهر الرئيس ترامب، واللّوبي اليهودي الذي كان له نُفوذ قويّ على البيت الأبيض بطَريقةٍ أو بأُخرى، ومُؤسّسات تشريعيّة وتنفيذيّة أمريكيّة أُخرى، ويستعين بأُستاذه وصديق والده نتنياهو، ولا نستبعد أنه كان، أيّ كوشنر، تلميذًا مُطيعًا لسيّده، أيّ نتنياهو، ولكنّ السّؤال الذي يطرح نفسه هو كيفيّة استِجابة بعض القادة والأُمراء العرب لإملاءاته، وهو المُبتدئ وقليلُ الخِبرة بدهاليز السّياسة.
لم نسمع (حتٍى الآن) أيٍ تعليق سواءً كان نفيًا أو تأكيدًا، لما ورد في مُذكّرات كوشنر من الذين وردت أسماء بعضهم في هذه المُذكّرات وخاصَّةً في مِنطقة الخليج، والإمارات والسعوديّة، وقطر، والكويت، والأخيرة (الكويت) التي لعبت في شَخصِ أميرها الرّاحل صباح الأحمد الدّور الرّئيسي للمُصالحة، وبَذْل، رحمه الله، جُهودًا جبّارة لتسوية الخِلافات الخليجيّة، ومنْع الحرب بينها، حيث كان غزو قطر مطروحًا.
كوشنر لم يَقُل إلا رُبْع الحقيقة في مُذكّراته هذه، وهُناك العديد من الأسرار التي بقيت طيّ الكِتمان خاصَّةً أنّه انتقل إلى ميدان التّجارة والصّفقات (البِزْنس) في الوقت الرّاهن، وعينه على مِنطقة الخليج وأصدقائه فيها، وما علينا إلا انتظار مُذكّرات مسؤولين أمريكان آخَرين كانوا في السّلطة في تلك الفترة ليُكمِلوا لنا الصّورة ويُدلون بشهاداتهم، وبعضهم لا يكنّ لكوشنر إلا القليل من الاحتِرام، واعترضوا على دُخوله البيت الأبيض، ونأمَل أن لا يطول انتظارنا.. ولنا عودة.
[email protected]
أضف تعليق