مع التطور الكبير في مجال الطب وصناعة الأدوية، استفادت البشرية من الاكتشافات الطبية الجديدة وسبل العلاج الحديثة، ولكن هذا التطور كان له أضراره الكبيرة على البيئة نتيجة النفايات الطبية.
وإن كانت النفايات الطبية في المستشفيات والمؤسسات العلاجية لها في الأغلب منظومات للتخلص منها بشكل آمن، فإن الأخطر على الإطلاق هي النفايات الطبية المنزلية، حيث في الغالب يتم التخلص منها بشكل بدائي بإلقائها في القمامة.
وخلال الأعوام الثلاثة الماضية منذ بدء انتشار فيروس كورونا زادت المخلفات الطبية المنزلية بشكل كبير بحسب المراقبين، مما كان له بالغ الأثر على البيئة.
وحسب منظمة الصحة العالمية فإن جائحة Covid-19 ليست مجرد أزمة صحية عامة، بل أزمة بيئية أيضًا، ووفقا لتقرير صادر عن المنظمة فإن ما يقدر بنحو 8 ملايين طن من البلاستيك يتم إلقاؤها بالفعل وسنويا في المحيطات.
كما أكدت منظمة الصحة العالمية وفق ما نشرته منصة "الأرض" أن النفايات الطبية المتراكمة أثناء وباء كورونا زادت التلوث البلاستيكي في المحيطات بمقدار 10 مرات.
وبين مارس 2020 ونوفمبر 2021، انتهى المطاف بما يقرب من 87 ألف طن من معدات الحماية الشخصية التي تم إنتاجها كنفايات، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فقد خلقت أكثر من 140 مليون مجموعة اختبار تم شحنها في جميع أنحاء العالم حوالي 731 ألف لتر من النفايات الكيميائية، وبالإضافة إلى ذلك، فبين عامي 2020 و2022، ساهمت إدارة أكثر من 8 مليارات لقاح في خلق 144 ألف طن من النفايات الإضافية.
وبحسب المتخصصين، فإن المخلفات الطبية بشكل عام تنتج من المواد المستخدمة لفحص وتشخيص المرضى والعناية بهم، سواءً كان ذلك داخل المرفق الصحي أو خارجه، وتشمل هذه المخلفات الإبر، والحقن، والقطن، والشاش، وبقايا العينات الملوثة بالدماء والسوائل الخارجة من المرضى، ومخلفات الصيدلية والمخلفات الكيميائية والمشعة، ومخلفات العمليات الجراحية من أعضاء بشرية وغيرها.
ووفق المتخصصين أيضا تعتبر هذه النفايات من أخطر أنواع النفايات على البيئة وعلى صحة الإنسان، لأنّ فيها بكتيريا وفيروسات وفطريات وغيرها من مسبّبات الأمراض كون مصدرها المريض نفسه، لذا فهي من أكثر المسبّبات التي تقف وراء ظهور الأمراض والأوبئة السريعة الانتشار والتي تفتك بأرواح الناس.
ووفقًا لدراسة علمية أجريت في معهد النشر الرقمي متعدد التخصصات (MDPI) ، فإن أي نفايات طبية لمعدات الوقاية الشخصية التي لا يتم التخلص منها في مدافن القمامة أو في المحارق ينتهي بها الأمر بالتخلص منها في المحيطات.
وحسب الدراسة، تعد معدات الوقاية الشخصية مصدرًا آخر للألياف البلاستيكية واللدائن الدقيقة، وعلى سبيل المثال، يمكن أن يطلق القناع الواقي للوجه ملايين من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في البيئة المائية، والتي يمكن أن تصبح جزءًا من السلسلة الغذائية، مما يعرض صحة الإنسان للخطر.
وبحسب خبير البيئة الدولي الدكتور محمد الزرقا، فإن النفايات الطبية المنزلية لها خطورة بالغة على البيئة، مشيرا إلى أن هذه النفايات لا تقتصر فقط على فوارغ زجاجات الأدوية أو سرنجات الحقن أو القطن والشاش الطبي، ولكن مجرد انتهاء صلاحية أي دواء فهو يتحول لمخلفات خطرة، ولا يجب أبدا التخلص منه بإلقائه في القمامة العادية.
وتابع في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن المخلفات الطبية المنزلية يجب تجميعها في أكياس وحدها بشكل منفصل عن القمامة العادية، ثم هناك طرق لتجميع المخلفات الخطرة ثم نقلها إلى أماكن مخصصة للتخلص منها بشكل آمن على البيئة.
وأوضح أنه للأسف في مصر ومعظم الدول العربية لا يوجد الوسائل الكافية للتخلص الآمن من المخلفات الظبية الخطرة والمخلفات الخطرة بشكل عام.
ووفق ما رصدته منظمة الصحة العالمية خلال جائحة كورونا، شهدت إفريقيا انتشارًا هائلاً في إدارة مخلفات اللقاحات، بلغ إجماليها 435 مليون طن مخلفات، وبسبب الثغرات الكبيرة في كيفية التخلص من معدات الحماية الشخصية، شهدت البلاد الأفريقية معدلات نفايات غير مسبوقة، بسبب عدم وجود محارق مناسبة، حيث تم حرق معظم معدات الوقاية الشخصية في العراء وفي براميل، مما ساهم في زيادة كمية الانبعاثات السامة المنبعثة في البيئة.
وحسب الدراسات فإن اللجوء إلى حرق معدات الوقاية الشخصية في العراء ليست فريدة من نوعها في أفريقيا والهند فحسب، بل هي ممارسة شائعة في معظم البلدان التي تفتقر إلى المبادئ التوجيهية والمرافق المناسبة لإدارة النفايات.
ومن جانبه أوضح الخبير البيئي الدولي محمد الزرقا أن التخلص من المخلفات الخطرة يكون عن طريق إما عمليات بيولوجية أو كيميائية أو فيزيائية وتكون في أماكن متخصصة، وفي مصر لا يوجد سوى موقع وحيد في محافظة الإسكندرية يسمح بالتخلص من النفايات الخطرة بتلك الطرق المذكورة بشكل آمن، وهذا الموقع لا يكفي لكل المخلفات الخطرة.
وتابع أن الطريقة الأخرى للتخلص الآمن من المخلفات الخطرة يكون عن طريق دفنها في أماكن نائية وفي مواقع خاصة بعد معالجتها بمواد تسمح بتحللها وزوال خطورتها داخل التربة.
وأوضح أن مصر استوردت بعض المحارق الخاصة بالتخلص من المخلفات الطبية بشكل حراري، وأن تلك المحارق تم توزيعها على المستشفيات الكبرى كالقصر العيني، أو على المناطق التي توجد فيها مستشفيات.
وأوضح أنه لنجاح عمليات التخلص من المخلفات الطبية الخطرة فلابد من وجود منظومة تسمح بجمع تلك النفايات سواء من المستشفيات بدءا من سرير المريض أو من المنازل وصولها إلى المحارق أو المدافن المخصصة لها.
وأوضح أن تلك المنظومة تقوم على فرز المخلفات الطبية حسب أنواعها ومدى خطورتها، فالزجاجات البلاستيكية مختلفة عن المصنوعة من الزجاج، وكذلك إبرة السرنجة لها مكان جمع مختلف عن أماكن جمع السرنجات نفسها.
وأكد أن وزارة الصحة المصرية تقوم بتنظيم عملية جمع المخلفات الطبية من المستشفيات وصولا بها إلى المحارق أو المدافن، ويبقى التحدي الآن الوصول بتلك المنظومة لجمع المخلفات الطبية الخطرة من المنازل، فضلا عن الحاجة لحملات توعية كبيرة للناس بكيفية الجمع والتخلص الآن لنفاياتهم الطبية المنزلية.
تجدر الإشارة إلى أنه لمساعدة القارة الإفريقية فقد طورت المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) وكذلك مجموعات الحفظ مثل مرفق البيئة العالمي والرعاية الصحية بدون ضرر، خطوات متعددة القطاعات لمساعدة العاملين في مجال الرعاية الصحية في أفريقيا على تقليل الانبعاثات السامة من التخلص الطبي غير المناسب لمعدات الحماية الشخصية.
تلك المنظمات الدولية اتخذت خطوات مثل تضمين بروتوكولات تكمل التدابير الحالية ومساعدة العاملين في مجال الرعاية الصحية على اتخاذ "قرارات مستنيرة" للتخلص من النفايات الطبية المتعلقة بفيروس كورونا، بالإضافة إلى ذلك، فبموجب اتفاقيتي بازل واستكهولم لعام 1989 لعام 1989، أوصت منظمة الصحة العالمية باستخدام التقنيات "التي لا تطلق موادا كيميائية أو انبعاثات خطرة" للتخلص من النفايات الطبية، بما في ذلك الترميد المغلق بدرجة حرارة عالية، والبخار عالي الضغط (التعقيم)، والميكروويف بدلاً من حرق معدات الوقاية الشخصية في العراء.
[email protected]
أضف تعليق