إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن قيام بلاده بقتل زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري صباح أمس، يمثل خطوة في إطار جهود بايدن لتحسين صورة إدارته وتقليص الخسائر التي لحقت بشعبيته بصورة كبيرة للغاية في أعقاب ارتفاع الأسعار وازدياد معدل التضخم بشكل لم تشهده الولايات المتحدة منذ 40 عاماً. فانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في شهر آب من العام الماضي، والاتفاق مع حركة «طالبان» التي سيطرت على البلاد بعد انهيار الجيش والسلطة، وصف بهزيمة وتراجع لأميركا، وسجل كتطور سلبي في تاريخ أميركا. خاصة وأنه لا أحد يمكنه أن يضمن سلوك «طالبان» وحتى التزامها بالاتفاقات.
بالرغم من الترحيب الواسع داخل الولايات المتحدة وخارجها بعملية اغتيال الظواهري التي مدحها الرئيس بايدن بأنها كانت دقيقة ولم تتسبب في مقتل أي من المدنيين بمن فيهم أفراد عائلة الظواهري نفسه، إلا أن هناك أسئلة كثيرة تدور حول وجود زعيم «القاعدة» في الحي الدبلوماسي في كابول في مكان قريب من السفارة الأميركية ولا يمكن الدخول إليه بسهولة.
وستبدأ على ما يبدو حملة انتقادات لإدارة الرئيس بايدن، وسيعود الحديث عن الانسحاب وعن مدى تنفيذ «طالبان» للاتفاق معها. وسيكون على إدارة بايدن الإجابة عن أسئلة صعبة تتعلق بالموضوع. وبالتالي ستكون هناك منغصات لا تسمح باستثمار هذا الحدث لاستعادة شعبية بايدن المفقودة.
في الواقع، تعاني الإدارة الأميركية من سلسلة إخفاقات بدأت بالانسحاب من المناطق المتوترة حول العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان، وانتهت بمشكلات التدخل في الحرب الروسية - الأوكرانية.
وعلى ما يبدو أن القرارات الأميركية بهذه المسائل لم تحقق النتائج التي كانت تطمح إليها واشنطن. فلم تتغير الأمور بشكل يحقق المصالح الأميركية فلا «طالبان» تغيرت نحو الأفضل ووجود الظواهري في العاصمة الأفغانية يثير أسئلة حول نوايا «طالبان»، ولا ينفع كثيراً توجيه الانتقادات للحركة على خرق الاتفاق. كما أن التدخل الأميركي المكثف في أوكرانيا والدعم الهائل المقدم للسلطات الأوكرانية والجهود الكبرى لحلف «الناتو» والعقوبات غير المسبوقة التي فرضت على روسيا لم يؤدِ إلى ما أعلنت عنه إدارة بايدن كأهداف لها. فعملياً لم يتهاوَ الاقتصاد الروسي ولم تحدث ثورة في روسيا ضد الرئيس فلاديمير بوتين ولم تنهزم روسيا عسكرياً ولا تزال تحرز انتصارات وتتقدم في السيطرة على إقليم دونباس وبعض مناطق جنوب أوكرانيا.
وأمام الإخفاق الأميركي والمشكلات التي تعاني منها الولايات المتحدة وخاصة الأزمة الاقتصادية التي تثقل كاهل المواطن الأميركي، والمشكلات التي تعصف بالقارة الأوروبية وخاصة أزمة الطاقة وتراجع الاقتصاد وازدياد معدلات التضخم والغلاء الفاحش في الأسعار، واضطرار الغرب للتخفيف من الحصار المفروض على روسيا وخاصة في مجال تصدير المواد الغذائية وخاصة الحبوب والزيوت بالإضافة إلى الأسمدة، يبدو أن واشنطن تغرق أكثر في التدخل العسكري في أوكرانيا سواء بضخ كميات هائلة من الأسلحة المتطورة وذات المدى الأكبر أو في إرسال وحدات قتالية من قوات النخبة لمساعدة الجيش الأوكراني بما في ذلك عناصر من أجهزة المخابرات، حسب تقارير من مؤسسات أميركية تخشى سقوط قتلى أو أسرى من هؤلاء ما قد يعقد الموقف بين الولايات المتحدة وروسيا.
وتشمل محاولات تحسين صورة الرئيس بايدن كذلك التصعيد الذي تنفذه الإدارة الأميركية تجاه الصين في تايوان بالدعم العسكري والزيارات المتلاحقة من مسؤولين أميركيين للجزيرة التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ منها، وآخرها زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب لتايوان. بالرغم من التحذيرات الصينية الجدية، والتي واكبها إعلان الاستنفار العسكري والاستنفار كذلك في تايوان.
وهذا السلوك الأميركي الغريب يدفع الأمور إلى حافة الهاوية ويمكن أن يقود إلى صدام مسلح في تايوان وحرب واسعة في المنطقة. وكل ذلك يتم لإثبات أن الإدارة الأميركية لا تتراجع أمام الصين وأنها مستمرة في سياسة مواجهة الصين بشكل يتعدى التنافس والحرب الاقتصادية إلى استفزاز في قضية يعتبرها الصينيون خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه ودونه تذهب الصين إلى حرب لو اضطرت.
لا يبدو أن السياسة التي تقودها إدارة بادين قادرة على تلافي خسارة الديمقراطيين في الانتخابات القادمة، والتي قد تبدأ فعلياً بخسارة الأغلبية في الكونغرس في الانتخابات التكميلية في شهر تشرين الثاني القادم، وإذا حصل هذا ستتحول السنتان القادمتان من حكم بايدن إلى كابوس سياسي حقيقي. ومشكلة بايدن كذلك لا تتعلق فقط بالمعارضة الشرسة من الجمهوريين، بل والأهم أنه لم يعد مقبولاً على قواعد حزبه «الديمقراطي»، وفي استطلاع نشر الأسبوع الماضي تبين أن ثلاثة أرباع الديمقراطيين لا يريدون ترشح بايدن لدورة جديدة.
وصورة بايدن في وسائل الإعلام ليست جيدة كشخص ينسى وعجوز يتعثر ويسقط وهو بحاجة لتذكيره بكل خطوة يخطوها حتى لا يخطئ أو ينسى لدرجة أنهم يكتبون له بالتفصيل ماذا عليه أن يفعل، كما أنه مريض على الرغم من محاولاته الظهور بمظهر الشخص القادر على العمل. والشهور القادمة حتى نهاية العام حاسمة في تقرير مصير الحكم في الولايات المتحدة، وخاصة على جبهة الاقتصاد والوضع الداخلي وعلى الجبهات الخارجية ضد روسيا والصين، وربما أيضاً في الملف النووي الإيراني والنووي الكوري الشمالي.
نقلا عن الايام
[email protected]
أضف تعليق