هل رفض لبنان فِعلًا عرض هوكشتاين الإسرائيلي المَسموم؟ وهل تعمّد السيّد نصر الله التّمهيد لخِيار الحرب بالحديث عن فُرصةٍ ذهبيّة تستحقّ المُخاطرة لإنقاذ البِلاد ولماذا أكّد أنّ الله كلّفه بمَهمّة تحرير الغاز اللبناني؟
عبد الباري عطوان
إذا كانت حالة الارتِياح التي سادت الاجتِماع الرئاسي اللبناني الثلاثي الذي انعقد في قصر بعبدا لمُناقشة الأفكار التي حملها المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين، تستند إلى أرضيّةٍ صلبة من الإنجازات والحُلول الإيجابيّة، فإنّ الفضْل في ذلك يعود إلى المُقاومة اللبنانيّة، ووسائل الضّغط التي استخدمها بذَكاءٍ لـ”ترهيب” الكيان الإسرائيلي، وأبرزها التّلويح بالحرب، وإرسال المُسيّرات الاستطلاعيّة فوق حقل “كاريش”.
لم يكن من قبيل الصُّدفة أن يبث الإعلام الحربي التّابع لـ”حزب الله” شريط فيديو يوم وصول المبعوث الأمريكي إلى بيروت، يتضمّن “رصدًا دقيقًا” بحركة منصّات الاستِخراج الإسرائيليّة العاملة في حقل “كاريش”، وكُل المنصّات الأُخرى، والسّفن الحربيّة التي تحميها على طُول السّاحل الفِلسطيني المُحتل.
الرّسالة واضحة، وشرح مضمونها السيّد حسن نصر الله في كلمةٍ له ضمن المجلس العاشورائي في الضّاحية الجنوبيّة قال فيها “هُناك فُرصة تاريخيّة وذهبيّة لإنقاذ البلد، وهذا الأمر يحتاج إلى مُخاطرةٍ ولهذا سنذهب إلى تلك المُخاطرة، نحن جاهزون أن نُقَدِّم أنفسنا وفلَذات أكبادنا وأهلنا من أجل لبنان والأُمّة”.
***
عندما يقول السيّد نصر الله “سنذهب إلى تلك المُخاطرة وجاهزون للتّضحية بأنفسنا وفلَذات أكبادنا، فهذا تهديدٌ صريح باللّجوء إلى خِيار الحرب، والتّأكيد بأنّه وأنصاره لا يخشى هذه الحرب، وأنّ هذا تكليفٌ من الله”.
لا نملك أيّ معلومات عن أسباب التّفاؤل التي عبّر عنها المبعوث الأمريكي هوكشتاين، ودفعت بالسيّد نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء، ليرفع إبهامه إلى أعلى بعد خُروجه من الاجتِماع الثّلاثي في قصر بعبدا، وتأكيد إلياس بوصعب نائب رئيس البرلمان بأنّ الأجواء إيجابيّة، ونأمل أن يكون هذا التّفاؤل في محلّه، فلا أحد يُريد الحرب، ولكن ما يجعلنا وربّما غيرنا، حذرين في التّعاطي مع هذا الارتِياح، أن هذا المبعوث إسرائيلي أكثر من كونه أمريكي، ويلعب على عُنصر الوقت والمُماطلة، فإذا كانت في جُعبته حُلول مقبولة لماذا قال إنّه سيعود بعد أسبوعين؟ ولماذا وصف شريط الإعلام الحربي لحزب الله بأنّه لا يُفيد المُفاوضات لأنّه سيُؤدّي إلى تصلّب الموقف الإسرائيلي مع اقتِراب الانتخابات العامّة؟
لا نفهم لماذا مُعظم المبعوثين، والسُّفراء الأمريكيين في تل أبيب، وعواصم عربيّة من الصّهاينة، ويدينون بالولاء لدولة الاحتِلال الإسرائيلي، ابتداءً من دينيس روس، ومُرورًا بديفيد فريدمان، وانتهاءً بعاموس هوكشتاين الذي خدم لمُدّة ثلاثة أعوام في الجيش الإسرائيلي؟
“حزب الله” إذا ذهب إلى الحرب فإنّه يفعل ذلك لتحرير الثّروات اللبنانيّة نيابةً عن جميع المُواطنين اللبنانيين دون استِثناء، لأنّ جميع هذه الثّروات ستعود إليهم، وستُحَقِّق الرّخاء لهم، وتُنقِذهم من أزَماتهم المُتناسِلة، دُونَ أيّ تفرقة دينيّة أو طائفيّة أو مذهبيّة.
إذا صحّت آخِر المعلومات التي وردت إلينا وتُؤكّد أنّ الرّئاسات الثلاثة رفضت العرض الذي حمله هوكشتاين، ويستند إلى الخط 23 فقط، شريطة أن يكون مُتََعرِّجًا، وتبادل أراضي لتمرير أنبوب غاز إسرائيلي إلى أوروبا، فإنّ هذا يزيد من احتِمالات الحرب، بل يُسَرِّع بإشعال فتيلها.
***
نتمنّى أن لا يقع اللبنانيّون في مِصيَدة المُماطلة والتّسويف الإسرائيليّة، وعبر الإسرائيلي “المُقنّع” هوكشتاين، وعليهم أن يتذكّروا أمْرًا واحدًا، وهو أنّ دينيس روس الذي كان مبعوث جميع الإدارات الأمريكيّة للشّرق الأوسط، جعل المُفاوضات تستمرّ مع الفِلسطينيين لما يَقرُب من الثّلاثين عامًا، لم تخرج منها السّلطة الفِلسطينيّة إلا بـ800 ألف مُستوطن في القدس والضفّة الغربيّة المُحتلّتين، والتحوّل إلى خادمٍ أجير لدى دولة الاحتِلال وحامٍ لمُستوطناته ومُستوطنيه ومُخبِر على شعبه.
في أيّ حربٍ قادمة، لا قدّر الله، لن يخسر لبنان إلا جُوعه وفقره ومُعاناته، وسيربح حتمًا تحرير غازه وثرواته، تمامًا مثلما كسب أرضه في حرب تحرير الجنوب عام 2000.. والأيّام بيننا.
[email protected]
أضف تعليق