استضافت بلدة الطيرة ورابطة المتقاعدين المبادرين فيها، الاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين – الكرمل 48 يوم 16 تموز 2022 في أمسية أدبيّة نقديّة فنّية راقية، وذلك ضمن سلسلة الأمسيات الأدبيّة التثقيفيّة التي يطلقها الاتّحاد على امتداد الوطن.
افتُتحت الأمسية على أنغام براعم الإبداع الطيرة بعزف راقٍ لنشيد موطني، وقد رافق البراعمُ الأمسيةَ على طولها بأداء موسيقيّ رائع، وقدّمت أربع زهرات من البراعم قصيدة محمود درويش سجّل أنا عربي بإلقاء جميل مميّز. أمّا صالة الدخول فقد زيّنتها عشرات اللوحات للفنّان التشكيليّ العالمي عماد مصاروة، ابن الطيرة، والذي قام بتوثيق واقعنا الفلسطيني بعشرات اللوحات التي عكست مسيرة مسن ونضال فتاة وحلم طفل نحو التحرر، سواءً السياسيّ أو المجتمعيّ.
ع بعد خطوة
وحمل المعرض اسم "ع بعد خطوة"، حيث قال الفنان مصاروة عن اسم المعرض: في الفلسفة للكلاسيكية للوقت والزمان، يقسم الوقت إلى 3 مراحل؛ الماضي والحاضر والمستقبل. وفق الفلسفة الكلاسيكية للوقت فأن استخدام هذا النموذج التمثيليّ ينظر إلى الماضي بشكل ثابت، والمستقبل كغير محدد- جزئيًا على الأقل، فيما يُشّكل الحاضر واقعنا الحاليّ وهكذا يقال أنّ- الوقت يمر. في المعرض، نقول العكس تمامًا. نحن كمجتمع فلسطيني تحركنّا مكانيًا وزمانيًا، إلا أننا لا زلنا نعيش الماضي، فهو على بعد خطوة منّا ولا زلنا على أمل بناء مستقبل واضح المعالم وفق تطلعاتنا ورؤيانا دون ضبابيّة- ايضًا نراه هذا المستقبل على بعد خطوة. الفهم الحسي للوقت عند كل فلسطيني، حتى من لا يعي ذلك، لم يتطوّر بعد، ففي كل منزل عامةً، وفي الطيرة خاصةً، هنالك شخصيّة لا زالت تحكي عن منزل هُجّرٍ أصحابه وتم إخلائه بالقوة، هو سافر معنا إلى الامام عبر بيئة زمنيّة، إلا أنّ أفكاره ومشاعره وجزء كبير منه لا زال عالقًا في الماضي ويصبو إلى مستقبل بشكل يتم من خلاله إغلاق الحلقة المفرغة التي عاشها بالحاضر.
الفنان عماد مصاورة، والذي اشترك في عدة معارض عالميًا، يُعّد من الفنانين البارزين في الساحة الفلسطينية والعربية، وعن تجربته مع الفن يقول: التجربة بدأت من جيل صغير، لطالما حولت افكاري إلى رسومات تحمل رسائل واضحة.
وأوضح: إمكانية التعبير الكلامي واردة جدًا، لكن التعبير من خلال الرسم يحمل تأثيرًا أكبر على المتلقي، فهي تختصر الاف الكلمات وتنتقل بسرعة ليس للمتلقي وحدة، انما لعددٍ كبير في ذات الوقت.
رؤيا سياسية ممكنة واخرى مستحيلة
واسهب في السياق: يعيش الفنان دائمًا حالة من التخبط الفكري، فهو من خلال رسمه واحدة عليه أنّ يعكس الواقع وأن يقدم حلولا وأملا لهذا الواقع المعقد بأغلب الحالات، عندما يرسم الفنان يرى افواجًا من المتلقين بينهم ابن الـ 3 أعوام الذي سيكبر لاحقًا في هذا العالم ويرغب أنّ يراه افضل. عليه كل زاوية ولون يستعمله يحمل دلالة معنية، كل خط يرسم يخط واقع مختلف، فقد يكون خطًا يجعل الشمس تضحك وخط آخر يجعلها تبكي.
وعن العلاقة بين الفن والهوية الفردية والجمعيّة، قال مصاروة: الفن هو هوية بحد ذاته، كل لوحة عبارة عن وجهة نظر، ودفاع الفنان عن لوحته هو دفاعًا عن هويته سواءً الفردية او الجمعيّة. واحيانًا يكون هذا الدفاع مستميتًا وثائرًا جدًا، فكلنا يعلم كيف أنبلج الكون من سديم ظلمة البدء، وطوّر الإنسان مع هذا التقدم ابداعات فطرية ممزوجة بين العقلانية واللاعقلانية احيانًا- وفق منظور فرديّ، وعلى ذلك، كان الفن وما يزال مِعولَه لسبر تلك السرادقات المانعة. والفن نفق سالك، نافذ بين المرئي واللامرئي.. بين البصر والبصيرة، بين الحرف ومعناه، والممكن والمحال، بين رؤيا سياسيّة ممكنة وأخرى مستحيلة.
[email protected]
أضف تعليق