في هذا الزمن العصيب الذي قل فيه عمل الخير والسعادة الحقيقية وكثر الشر والفتن والشكوك والشبهات، الإلحاد والانحلال، وانهارت الأخلاق والقيم، وتمزق كل شيء، لم يعد أحد يفهم على الآخر، لا الأخ على أخيه ولا الجار على جاره ولا الصديق على صديقه، تزيفت الأحاسيس وتلوثت وسقطت كل الأقنعة، وأصبحنا نشعر بغربة، وإذا قيل للصخر كن إنسانا لرد الصخر وقال: أنا آسف جدا، فأنا لست قاسيا إلى هذه الدرجة...

  • نكذب لنعيش، نصنع بأيدينا الوهم ثم نصدقه، فيرجمنا بسهام الحقيقة المرة، سعادة مؤقتة نرضى بها لأننا لا نعرف معنى وطعم السعادة الحقيقية وحين بانت الحقيقة تشتّتت الأذهان، صارت الوجوه قواعد للخوف، فعلينا أن لا نسرع بمدح النهار قبل أن يحل الليل، ولا نحكم على أمر حتى نهايته.

نطوي الأيام والسنين التي تمر من عمرنا في أجواء متوترة ونحمل هموم ومتاعب لا حد لها ولا نعتبر، ونستمر بعنادنا ومواقفنا غير مدركين أن الحياة مجرد كذبة صدقناها، والموت حقيقة راسخة تجاهلناها، وأننا أشبه بالمعادن تصدأ بالملل، وتتمدد بالأمل، وتنكمش بالألم، فأصغر مسافة بين مشكلة وحلها هي نفس المسافة بين ركبتك والأرض، فمن سجد للباري عز وجل بإمكانه الوقوف ومواجهة أي ظرف!
فكر، وكن في الدنيا كعابر سبيل، واترك وراءك كل أثر جميل، فما نحن في الدنيا إلا ضيوف والساعة آتية لا ريب فيها، فمن العار أن تفتخر بشيْ لم تصنعه، إنما افتخر بأخلاقك، فأنت من يصنعها، وإذا كان الاعتذار صعبًا عليك، وكبرياؤك لا تسمح لك، فتذكر أن الإساءة
ثقيلة وصعبة بنفس المعيار على الأخرين، فمن أراد قربك اقترب منك، ومن أراد رؤيتك أتى إليك، وهذه أمور، في أغلب الحالات، لا تمنعها الظروف، بل الرغبة الأكيدة، والواثقون من الصداقة لا تربكهم لحظات الخصام، بل يبتسمون عندما يفترقون لأنهم يعلمون بأنهم سيعودون آجلا أم عاجلا والويل ان اختفى العدل من الأرض لم يعد لوجودنا أي قيمة
أعود لأكرّر أنّ الناس معادن قد تصدأ بالملل، وتتمدد بالأمل، وتنكمش بالألم، وعلينا أن نتذكر ما لدينا من نعم قبل أن نتذكر همومنا.


استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]