يعاني بعض الأشخاص من أعراض معنية مثل ضعف الذاكرة وصعوبات في المشي وتبدو وكأنها أعراض لمرض الخَرَف، وقد يعتقد الطبيب ذلك أيضا، لكن، قد يكون تشخيص المرض غير صحيح ويكون المرض الحقيقي متلازمة غير معروفة كثيرا واسمها NPH، وهي مرض يمكن علاجه
أحمد، اسم مستعار (73 عامًا)، متزوّج وأب لأولاد وجدّ لأحفاد من الناصرة، وصل إلى قسم جراحة الأعصاب في المركز الطبّي الجليل الغربي في نهاريا، وهو يعاني من صعوبات في المشي ومن ضعف ذاكرة الأمد القصير ومن سَلَس بول جزئي. أفادت العائلة بأنّ تدهور حالة أحمد كانت سريعة جدًا. كثيرًا ما كان يقع على الأرض، وكان بحاجة إلى مساعدة في ارتداء الملابس وإلى مرافقة إلى المراحيض والاستحمام وإلى مساعدة عند صعود ونزول الأدراج. في مرحلة ما، كان يخشى الخروج من البيت لوحده، وكان يخرج بمرافقة أفراد العائلة فقط.
على مدار 8 أشهر، لم ينجح الأطبّاء بتشخيص مشكلته، إذ أنّه اشتكى بالأساس - وفق ما صرّحت به العائلة - من صعوبة في المشي. لم تكترث العائلة لبقيّة المشاكل التي عانى منها، واعتقدت أنّها ناجمة عن التقدّم في السنّ. في البداية، أحال طبيب العائلة أحمد إلى طبيب عظام، الذي أشار بدوره أنّ المشكلة ليست في الظهر أو الرجلين. فيما بعد، توجّه أحمد إلى طبيب أعصاب. الأخير طلب منه إجراء فحص تصوير بالرنين المغناطيسي CT للرأس. تبيّن من الفحص أنّه يعاني من توسُّع في بطينات الدماغ، فحوله الطبيب إلى المركز الطبّي الجليل الغربي في نهاريا. أظهرت الأعراض والفحوصات أنّ أحمد يعاني من مرض نادر يُسمى متلازمة NPH. بعد مرور بضعة أسابيع، خضع أحمد لعمليّة جراحيّة، حصل بعدها تحسّن ملحوظ في أعراض المرض، بما في ذلك المشي، الذاكرة والتحكُّم بعمليّة التبوُّل، ويشهد أفراد العائلة على التحسّن الملحوظ الذي طرأ على حالته وعلى جودة حياته.
نقص في تشخيص حالات الـ NPH في الوسط العربي
"متلازمة NPH – Normal Hydrocephalus Pressure، والتي تظهر لدى %2 من أبناء 60 فما فوق، ناجمة عن تراكم السوائل في بطينات الدماغ وعن ارتفاع في الضغط داخل الجمجمة. السوائل التي تتراكم في بطينات الدماغ تضغط على مراكز الأداء المجاورة، وتشوّش عملها السليم. العارض الأكثر شيوعًا الذي يشتكي منه المرضى هو الصعوبة في المشي. تحدث هذه العمليّة ببطء، ويتّضح عند تشخيص المتلازمة أنّ المريض قد عانى من صعوبة في المشي منذ عدّة أشهر أو حتى سنوات"، يقول بروفسور جان سوستييل، مدير قسم جراحة الأعصاب في المركز الطبّي الجليل الغربي.
"كثيرًا ما يشخَّص المرضى الذين يعانون من مرض الـ NPH كمن يعانون من أمراض أخرى عن طريق الخطأ. الصعوبة في المشي قد تشير إلى أمراض في العمود الفقري، أمراض عصبيّة أو أورام. كثيرًا ما يشخَّص المرضى، وخاصة في المجتمع العربي، عن طريق الخطأ كمرضى باركنسون أو خرف، وذلك لأنّ متلازمة NPH أقلّ شيوعًا وغير معروفة كثيرًا في الوسط الطبّي"، يقول رزق جريس، ممرّض منسّق جراحة الأعصاب في قسم جراحة الأعصاب في المركز الطبّي الجليل الغربي. "في المجتمع العربي، قد يكون هناك مرضى لا يتعالجون من المرض كما ينبغي. في بعض الأحيان يتواجد بعض المرضى في مستشفيات تمريضيّة، أو يتلقون الرعاية من أفراد العائلة في البيت، اعتقادًا بأنّ المريض يعاني من أعراض مرتبطة بالتقدّم في السنّ، مثل النسيان، البلبلة والصعوبة في المشي. يكون مرضىNPH معرضين لخطر السقوط يوميًا إذا لم يتلقوا العلاج الملائم. بعض المرضى يتناولون مضادّات التخثّر، ومعرّضون لأخطار حدوث نزيف، وبعضهم يتعرّضون لكسور في عنق الفخذ، ممّا يشكّل خطرًا على حياتهم".
ما هي إشارات التحذير؟
"اضطرابات المشي هي الأعراض الرئيسيّة لمتلازمة NPH، فهي تظهر قبل بقيّة الأعراض، وتظل الأكثر بروزاً طيلة فترة المرض، طالما أنّ المريض لم يتلقَّ العلاج. مرضى الخرف على سبيل المثال، يعانون من اضطرابات في المشي، وترافقهم هذه الاضطرابات طيلة فترة المرض، لكن هذه الأعراض تعتبَر ثانويّة وتظهر في وقت لاحق، بينما الأعراض الرئيسيّة هي المشاكل الذهنيّة"، يشرح بروفسور سوستييل.
"يتميّز مرضى الـ NPH بمشية خاصّة: تكون القدمان منفرجتين وإبهاما القدم متّجهين للخارج، كالبطريق، وكفّتا القدمين ملتصقتين بالأرض"، يقول الممرّض جريس.
كيف يشخَّص مرض الـ NPH؟
"يشخَّص مرض الـ NPH بواسطة فحص CT أو MRI، إذ يمكن من خلال هذين الفحصين ملاحظة التوسُّع في بطينات الدماغ. إذا اشتُبِه بوجود NPH، يتمّ إجراء بَزل قَطَني (وخز في الظهر)، وهو عمليّة شبيهة بالجراحة لغرض علاج المشكلة، واستخراج 50-30 سم مكعّب من السائل الشوكي. بعد الفحص، يطرأ عادةً تحسّن ملحوظ، وذلك جراء انخفاض ضغط السائل الدماغي الشوكي على بطينات الدماغ. التحدّي الأكبر هو تشخيص المرضى الملائمين للعمليّة الجراحيّة. هناك أشخاص لا يستجيبون بالشكل الأمثل لعمليّة البَزل القَطَني، لكن هذا لا يعني أنّهم لا يعانون من الـ NPH، ومن الجدير مراقبة حالتهم لمدّة 36-24 ساعة في حالة الاشتباه بوجود NPH"، يؤكد بروفسور سوستييل. "زارني عدّة مرضى يعانون من مشاكل في الظهر، ولم يعرفوا أنّ مصدر المشكلة هو في الرأس وليس في الظهر. يدور الحديث عن تشخيص منقوص جدًا لمرض علاجه بسيط نسبيًا: عمليّة جراحيّة تستغرق نحو 50 دقيقة، يتمّ خلالها إدخال مصرَف لتصريف سوائل الدماغ الفائضة إلى البطن. يتمّ ربط المصرَف بناظِم ملائم لكلّ مريض، وفقًا لوتيرة تحسّن أعراض المرض".
"أجريت جراحات لكثير من المرضى الذين تخلّصوا بعدها من الكرسي المتحرّك"
"علاج مرض الـ NPH غير ملائم لمن يعانون من أمرض مثل آلزهايمر أو باركنسون. العلاج مُدرَج ضمن سلّة الخدمات الصحيّة، ونسبة نجاحه لدى المرضى الملائمين تبلغ %80. هناك أهميّة كبيرة للتشخيص المبكّر، فالضغط المتواصل على النسيج الدماغي قد يلحِق أضرارًا جسيمة ودائمة بالدماغ. أجريت جراحات لكثير من المرضى الذين تخلّصوا من الكرسي المتحرّك بعد العمليّة، وكلّما أجرِيَت الجراحة في وقت متأخر، يقلّ احتمال تحسّن الأعراض"، يُضيف بروفسور سوستييل.
"غالبيّة المرضى يندمون لأنّهم لم يخضعوا للعمليّة في وقت مبكّر. نحن نتعامل مع مشكلة لا يعيها الكثيرون من أطبّاء العائلة في المجتمع العربي، وحلّها بسيط لكنّ الأطبّاء يغفلون ذلك لسبب ما. الغالبيّة الساحقة من المرضى يصلون إلينا بعد معاناة دامت سنتين أو ثلاث سنوات من المرض، ولا يمكن علاجهم في هذه الحالة"، يقول الممرّض جريس.
إذا ظهرت أعراض المرض الثلاثة: وعلى رأسها الصعوبات في المشي، الارتباك وعدم التحكُّم في التبوُّل، ننصح بالتوجّه إلى طبيب العائلة، إذ يقوم بدوره بإحالة المريض إلى طبيب أعصاب لاستكمال التشخيص والعلاج. تُجرى العمليّة الجراحيّة من قِبل أطبّاء مختصّين في جراحة الأعصاب في مختلَف المراكز الطبيّة.
[email protected]
أضف تعليق