بقلم: نادرة سعدي
برزت بلدة سلوان واحدة من أبرز الأطماع الإسرائيلية التي يستهدفها الاحتلال بشكل يومي خلال السنوات الماضية في القدس المحتلة تأخذ الاعتداءات اشكالا عدة من طرد وتهجير، سرقة استيلاء وهدم، التضييق والاعتقالات فوق الارض وتحتها، تحفر الانفاق فتخلخل البيوت التي يصعب ترميمها بسبب البنى التحتية الفقيرة والاحوال المادية الصعبة لسكان البلدة. تضييقات تصل الى ابسط مقومات الحياة وحرمان من الخدمات الاساسية التي يجب ان تقدم للسكان كونهم يدفعون ضريبة الاملاك للبلدية ويستحقون منها الخدمات الاولية ابسطها النظافة وتنظيم البنى التحتية.
بلدة سلوان
"تُعد سِلوان البلدة الأكثر التصاقا بسور القدس التاريخي و الحامية الجنوبية للمسجد الأقصى المبارك، وكانت تمتد أراضيها حتى منطقة الخان الأحمر بين مدينتي القدس وأريحا، حتى أُطلق على تلك المنطقة قديما اسم "خان السلاونة" قبل أن يصادر الاحتلال معظم أراضيها. يعيش في سلوان 59 ألف مقدسي بالإضافة إلى 2800 مستوطن زُرعوا بقوة الاحتلال في 78 بؤرة استيطانية بالبلدة. يعيش خطر التهجير القسري نحو 7 آلاف و500 فرد يعيشون في 6 أحياء مستهدفة بسلوان، حي وادي حلوة، حي البستان، حي بطن الهوى، حي عين اللوزة، حي وادي ربابة وحي ياصول. مهددون إما بهدم منازلهم حيث ان هناك في سلوان وحدها 6500 بيت صادر بحقهم قرار هدم، بحجة البناء دون ترخيص والآخرين مهددون بالإخلاء والطرد لصالح الجمعيات الاستيطانية الإسرائيلية. وتزعم السلطات الاسرائيلية أن سلوان كانت نواة البداية لدولة اليهود الأولى قبل ٢٥٠٠ عام؛ ويريد إثبات أحقيتهم بها بعد أن فشل في إيجاد أي دليل أو حضارة؛ ولذلك فإن الحفريات مستمرة أسفل أحيائها، ولكن الهدف الحقيقي لتهويد سلوان هو إبعاد السكان عن منازلهم وخاصة المحيطين بالمسجد الأقصى المبارك، يحاولون اليوم انشاء الحدائق التوراتية في أحياء بلدة سلوان من خلال الاستيلاء على المنازل وهدمها لتوسيع ما يسمى الحوض المقدس الذي يشمل أحياء الشيخ جراح وواد الجوز ورأس العامود وجبل الزيتون وسلوان.
حي بطن الهوى:
حي بطن الهوى في سلوان تصدر الأخبار خلال الفترة الماضية؛ وذلك بسبب نية الاحتلال طرد عشرات العائلات من منازلها لصالح المستوطنين.
يعيش بهذا الحي 670 مواطن فلسطيني جميعهم مهددين بالإخلاء، جزء من البيوت تم بالفعل الاستيلاء عليها من قبل جماعات المستوطنين وبحماية الجيش والشرطة المستمر بالتواجد داخل الحي لحمايتهم على مدار 24 ساعة إضافة للتحصينات الحديدية والالكترونية، اما القسم الاكبر فلا يزال صامدا امام محاولات الطرد والاستيلاء المستمرة، بحجج عدة، منها امتلاك الأرض قبل مئات السنين أو وقفيتها الدينية المتدعاه من قبل جماعات عتيريت كوهيانيم. وتزعم جمعية "عتيرت كوهنيم" الاستيطانية أن ملكية المنازل في الحي تعود ليهود اليمن قبل عام 1948، وافتتحت عام 2018 في الحي "مركز تراث يهود اليمن" بادعاء أن كنيسا يعود ليهود اليمن كان قائما بالمكان وحمل اسم "بيت العسل" قديما.
وبدأت الهجمة على بطن الهوى منذ عام 2015؛ حيث سلم الاحتلال أوامر بإخلاء عدد من المنازل بحجة أحقية المستوطنين لها منذ عام 1890، ومع حلول عام 2018 تم تسليم 86 عائلة أوامر بالإخلاء.
رئيس لجنة حي بطن الهوى ببلدة سلوان زهير الرجبي ذكر أن عدد أوامر إخلاء المنازل في بطن الهوى وصل إلى أكثر من 87 أمرا، ويسكن هذه المنازل 700 مقدسي يعيشون على مساحة 5 دونمات و200 متر.
يقول السيد زهير الرجبي ابو يزن رئيس لجنة الحي " 87 بيت في حي بطن الهوى أي ما يقارب 600-750 بني آدم مهددين بالطرد من بيوتهم بسبب أوامر الإخلاء التي وصلتهم، في المنظمة الاستيطانية عتيريت كوهانيم يدعون ملكية الأرض منذ العام 1892، منذ أيام العثمانيين بحسب ادعائهم كان لليهود قطعة أرض وهم ينوون استعادتها بموجب قانون أقره الكنيست عام 1970، يقضي بـإعادة الأراضي التي كانت بملكية يهودية قبل عام 1948 إلى أصحابها" المزعومين." يتابع الرجبي حديثة: "في ثمانيات القرن التاسع عشر أيام حكم العثمانيين لهذه البلاد نزحت مجموعة من اليهود من اليمن الى فلسطين، أعطتهم الدولة العثمانية قطعة من الأرض ليعيشوا عليها في سلوان، وقد عاشوا فيها في حسن جوار مع الفلسطينيين الذين استقبلوهم وآووهم من محنتهم في ذلك الوقت، وفي العام ١٩٤٦ قرر هؤلاء اليهود الرحيل وبيع بيوتهم جميعها الفلسطينيين من سكان الحي باتفاقيات مكتوبة موقعة من قبل الطرفين في كثير من الاحيان ايضا وضعت صور اليهودي الذي باع كإثبات هوية. هذه هي التوثيقات الوحيدة الموجودة بحوزة الفلسطينيين واليهود ولا يوجد غيرها".
طفولة تفتقر لأسس الامان والحماية الاولى
الاطفال في حي بطن الهوى يعيشون طفولة غير مستقرة وغير امنة يفتقر الحي لأبسط اسس المعيشة كالطرقات المعبدة الحدائق اماكن لعب امنة للأطفال، حتى الذهاب الى المدرسة هو معاناة بحد ذاتها يضطر الاطفال يوميا صيفا شتاء للمشي مسافات طويلة من الادراج الشاهقة العلو للوصول حيث لا توجد مواصلات. اضافة الى الاشتباكات تحدث كل ليلة في الحي، ولا سيما اقتحامات الجيش والشرطة للبيوت والاعتقالات والمداهمات الليلية، التي تقض مضاجع الاطفال والكبار.
دارين الرجبي هي ابنة السيد زهير الرجبي، طفلة تريد أن تلعب بحرية وأن تنام آمنه في بيتها دون أن تقلق من اقتحامات المستوطنين والشرطة والاعتداء عليهم أو اعتقال أحد أفراد عائلتها. تقول دارين" يقلقني ان اليهود يحتلون حينا ويقيدون حياتنا، فهم يطردونا من الشارع ولا يسمحوا لنا باللعب بل ويعتدون علينا ويسبون ويشتمون وفي أعيادهم يغلقون الحي نهائيا ويمنعونا من الحركة. يقلقني حضورهم ليلا لاعتقال ابي واخي اتمسك بها واطلب ان يتركوهم، انا لا استطيع النوم حينها اجلس هنا على درجات البيت منتظرة عودتهم،حلمي هو ان يغادر هؤلاء المستوطنين حينا وان نعيش سعيدين عندها سيكون كل يوم عيد، لهذا قررت أن أصبح محامية لأدافع عن أرضي وأهلي وأبناء شعبي"
كابوس الهدم المستمر في سلوان:
لا تمر عدة أيام حتى تقتحم طواقم بلدية الاحتلال أحياء بلدة سلوان الواقعة إلى الجنوب من المسجد الأقصى المبارك، حيث تسلم أهاليها إخطارات بالهدم بحجة عدم الترخيص أو مخالفات البناء. في سلوان صدر 6817 أمرا بالهدم ما يؤثر على سكانها خاصة في ظل عدم اعطائهم تراخيص لبناء منازلهم مهما حاولوا واستوفوا الشروط القانونية لذلك، ولكنها سياسة بعدم إعطاء تراخيص لادعاءات شتى، بحيث يعطى المستوطن ولكن المقدسي لا يعطى. هذا الضغط بشكل يومي هو لدفع السكان للرحيل،
قمة القهر أن تهدم بيتك بنفسك…
احدى مظاهر القمع التي نراها في سلوان وأحياء أخرى من القدس أن يقوم المواطن بنفسه بهدم بيته بيديه، وهذا الأمر هو ناتج اخر للضغط اليومي والمخالفات الباهظة التي يتكبدها المقدسي، وبالرغم من خطورة هذه الظاهرة إعلاميا بحيث يظهر الفلسطيني كمن أخطأ ويصلح خطأه بيديه. الا انها الامكانية الوحيدة المتبقية أمام المقدسي المنهك من كاهل المخالفات وحفاظا على أجزاء أخرى من المنزل قد لا تكون مشمولة بأمر الهدم فما يحدث وبسبب قانون كيمنتس 2017 هناك نوعان من أوامر الهدم الفوري لكل ما يبنى بعد 2017، واوامر هدم يجري التفاوض عليها في المحاكم. وتتعمد سلطات الهدم في حالة الهدم الحاق الضرر بكل ما يحيط البيت المستهدف كمحاولة اخرى للضغط والتدمير.
ثابت زيتون صاحب البيت المهدوم في حي البستان روى لنا ما قد حصل لهم" وصلنا أمر هدم من البلدية أجلنا سنة واكثر حتى وصلتنا مخالفة بقيمة 30 ألف شيكل، قبل شهرين المحامي رفع يده عن القضية وقال يجب أن تهدموا البيت خلال 21 يوم والا سنتكبد مخالفات إضافية أو ستأتي السلطات لهدمه و نضطر لدفع المصاريف ، كان يجب أن يتم هذا خلال شهر رمضان المنصرم لكننا لم نقم بهذا بسبب اصابة ابني برصاصة مطاطية بالرأس وقبل اسبوع فقط تحرر من المستشفى، طبعا حجة الهدم هو البناء بدون ترخيص، فبحسب قانون كمينتس يتم هدم كل بيت غير مرخص فورا"
صور ومشاهد اليمة ركام البيت والاثاث المكوم في ساحة البيت وعائلة تشتت كل في صوب، قسم يعيش في بقايا البيت قسم اخر موزع في بيوت الأقارب، القهر كل القهر ان يقوم الشخص بيده بهدم تعب العمر.
حي عين اللوزة محطه اخرى يطولها الهدم والدمار بحسب صاحب البيت المهدوم السيد سامر الرجبي يدور الحديث عن مبنى كان مكونا من ثلاث طبقات، في الطبقة الاولى عيادة لصندوق المرضى. وطابقين اضافيين فيهما ٥ شقق سكنية، بعد عيد الفطر الاخير بأيام قليلة وصلت قوات الهدم لتدمر احلام عائلة كاملة اطفال أصغرهم ٦ أشهر وأكبرهم ٦ سنوات، وابنة عروس تستعد لزفافها الشهر المقبل هدم البيت على كل ما فيه من أثاث وذكريات وحتى جهاز العروس. وقد منعت العائلة من إخراج أي شيء سوى مستنداتهم الرسمية وأغراضهم الثمينة مثل ذهب ونقود وما عدا ذلك أصبح ركاما. وفوق هذا كله تم الاعتداء على أفراد العائلة واعتقال بعضا منهم.
تجلس أم فارس زوجة سامر رجبي في ساحة البيت أو ما تبقى من بيت كان تحويشة العمر تفتح حديثها قائلة:" هربنا من بطن الهوى لحقونا لهون! " وتضيف" انا ست مريضة كنت احضر هذا البيت وهو عبارة عن غرفة وصاله ارضي مع جنينة جهزتها لأسكنه واريح نفسي من طلوع ونزول الدرج" تستدرك وتقول" الحمد لله اولادي بخير".
تسرد كنة ام فارس السيدة نوارة رجبي كيف حصل الهدم: في ساعات الصباح الباكر، قالوا في البداية ان هناك امر تفتيش وأخرجوا جميع من كان في المنزل للخارج وما ان أصبحنا في الخارج حتى أبلغونا ان هناك امر هدم وانا اصلا بيتي ليس مشمول بقرار الهدم لكنه متاخم للمبنى، وأبلغوني انه لدينا فقط نصف ساعة لإخراج كل ما هو ثمين او اوراق ثبوتية، لكن حتى هذا لم يكن، أخرجونا بالقوة واعتدوا علينا وهدموا البيت، بنهاية الهدم أسقطوا حائطا مسلحا مع صخرة كبيرة استقرت وسط بيتي مقسمة البيت الى نصفين".
ما تبقى من منزل نوارة في الطبقة الثانية الذي فعليا لم يكن مشمولا بقرار الهدم تدخله من الشباك لان مدخل البيت أصبح ضمن الحطام وهذه الطريقة الوحيدة لدخول البيت مباشرة لغرفة النوم تتوسط المنزل قطعة كبيرة الحائط المسلح وبطرفه صخرة كبيرة سقطت اثر هدم البناية مخترقة السقف الخشبي (القرميد) لتستقر على كرسي وسط المطبخ مقسمة المنزل الى قسمين غرف الاطفال في ناحية وغرفة الاهل والحمام في الناحية الاخرى، وكل محاولة للتحرك داخل هذا المنزل هي عملية خطيرة للغاية والأمر يعتمد على مدى صمود الكرسي الذي يحول دون حدوث كارثة اخرى قد تهدم ما تبقى من البيتين.
ما يجري في أحياء القدس يعني أن 45% من مجموع الأسر يتهددها خطر سلب بيوتها على أساس عرقي عنصري من أجل خلق واقع ديمغرافي وجغرافي يفرض أمرا واقعا على الأرض. ويستهدف الاحتلال بلدة سلوان بمشاريع استيطانية عدة، ويرى أن تهجير أهالي حي بطن الهوى سيؤدي إلى تحويله إلى مستوطنة ضخمة تتصل مباشرة بمستوطنة رأس العامود شرقا وبالبؤر الاستيطانية في حي وادي حلوة غربا.
ان الحملة الاستيطانية المدعومة بجميع مؤسسات سلطة الاحتلال والتي تصاعدت في السنوات الأخيرة تكشف عن معاناة الفلسطينيين في القدس الصامدين في مواجهة مخطط نهب أملاكهم وتهويد أراضيهم وسرقة تاريخهم وتراثهم، وهو مخطط بدأ تنفيذه منذ "نكبة" 1948 واستمر بعد "نكسة" 1967 وما يزال يتصاعد حتى يومنا هذا.
[email protected]
أضف تعليق