خلص "تقرير (مدار) الاستراتيجي 2022 - المشهد الإسرائيلي 2021" إلى أن إسرائيل نجحت في مراكمة مزيد من المكاسب الإقليمية عبر اتفاقيات التطبيع، إلى جانب تحسينها علاقاتها الرسمية مع الدول الغربية في عهد حكومة بينيت/ لابيد، مشيرًا إلى أن هذا التحسّن يبقى محاصراً بمجموعة من الاختبارات الدولية الضاغطة، أبرزها مفاوضات "النووي الإيراني" التي تتخذ مساراً يعاكس الرغبات الإسرائيلية، والتحول الجذري في خطاب منظمات حقوقية دولية وازنة تجاه إسرائيل، الذي انتقل من وصفها بدولة احتلال على حدود 1967 إلى اعتبارها دولة تقيم نظام أبارتهايد بين النهر والبحر.
وفي هذا السياق، نبه التقرير إلى تصاعد مساعي إسرائيل من أجل نزع الشرعية عن السردية الفلسطينية ومحاصرتها من خلال ملاحقة المؤسسات الفلسطينية التي تتهم إسرائيل بأنها تمارس نظام أبارتهايد وجرائم حرب وإعلانها "غير قانونية" وداعمة لـ"الإرهاب"، ومحاصرة المحتوى الفلسطيني على منصّات التواصل الاجتماعي، وإطلاق مشاريع دبلوماسية شعبية للدفاع عن إسرائيل، ومحاولات نزع الشرعية عن المؤسسات الدولية أو الأصوات التي تعارض السياسة الإسرائيلية أو تتهمها بأنها دولة أبارتهايد عبر اتهامها بمناهضة السامية.
وأضاف التقرير، الذي أعلن عنه المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) في مؤتمر عبر تقنية "زووزم" أدارته الإعلامية جيفارا البديري، في رام الله، اليوم الإثنين، أن إسرائيل شهدت في مقابل التحسّن الإقليمي والدولي الرسمي، سيرورات داخلية متشابكة تتنازعها توجهات متناقضة، تدفع من جهة، نحو توسيع المواطنة من خلال انضمام حزب عربي لأول مرة إلى الائتلاف الحكومي. ومن جهة ثانية، نحو ترسيخ الاحتلال وتزايد دور المستوطنين، وانتقالهم من الهامش إلى المتن، وهو ما انعكس في هبّة أيار وما أظهرته من تدوير الاستيطان فكريًا وميدانيًا، ونقل نمط نشاطه إلى المدن الساحلية المختلطة، إلى جانب ما أظهرته الهبة من نزعة نحو "تسييل" الخط الأخضر فلسطينيًا أيضا؛ بحيث شملت الهبّة الكل الفلسطيني الذي انتظم على أساس قومي على جانبي الخط الأخضر.
الحرب الروسية/ الأوكرانية
تناول التقرير ديناميات الحرب الروسية على أوكرانيا والتعامل الإسرائيلي معها، مشيرا إلى إمكانية انعكاسها على سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين من خلال استغلال الانشغال الغربي التام بالصراع مع روسيا، وبالتالي، توسيع قدرتها على المناورة وزيادة الاستيطان والتهويد والضمّ الفعلي المستمر، عبر استقدام عشرات آلاف المهاجرين من أوكرانيا وروسيا إلى إسرائيل، وتسكينهم في مناطق مختلفة بما في ذلك المستوطنات.
حلل التقرير الانعكاسات الإقليمية للحرب، إذ تخشى إسرائيل أن يؤدّي اصطفافها الصريح في المعسكر الغربي إلى خسارتها حرية العمل في سورية، وفي الدفع نحو تعزيز التموضع الإيراني في سورية، الذي تعتبره إسرائيل خطرًا مباشرًا عليها، بالإضافة إلى إمكانية التدهور الميداني على الجبهة الشمالية السورية/ اللبنانية عبر الدفع نحو تسخين الجبهة، أو رفع التقييدات عن النشاطات العسكرية.
وفي هذا الجانب، قال التقرير: انطلاقًا من مصالح أمام روسيا، وفي مواجهة تعقيدات الاصطفاف وتداعياته؛ تحاول إسرائيل لعب دور الوسيط وتحويل "حيادها" وعلاقتها المتينة مع الأطراف المتصارعة كافة إلى أداة دبلوماسية مهمة تؤهلها للعب هذا الدور للتغلب على استحقاقات الاصطفاف، ومن جهة أخرى والأهم تبييض "احتلالها" وتعزيز صورتها ومكانتها الدولية.
المكانة الإقليمية
اعتبر التقرير أن "اتفاقيات أبراهام" عززت من مكانة إسرائيل كجزء من الخارطة الجيو/ سياسية، وأسهم في ذلك ترجمة الاتفاقيات إلى توقيع عشرات الاتفاقيات ومذكّرات التفاهم والتعاون مع دول "السلام الإبراهيمي". وفي ظلّ التفكّك في الدول التي شكّلت سابقًا "مصدر تهديد" كالعراق وسورية، إضافة إلى السلام مع مصر والأردن، أصبحت إسرائيل لا ترى أن العالم العربي يُشكّل مصدر تهديد، وتقلّصت "مخاطر" اندلاع مواجهة مباشرة مع جيوش نظامية. على ضوء ذلك، جرى بناء "التعاون العربي/ الإسرائيلي" ونظمه في مواجهة إيران والحركات غير النظامية والإسلامية وحزب الله وغيرها.
وأضاف التقرير: إن سقوط نتنياهو وإقامة "حكومة التغيير" أسهما أيضًا في تحسّن علاقات إسرائيل مع دول المنطقة التي شابها الجفاء في عهده، فقد عادت العلاقات مع الأردن إلى التحسّن، وكذلك تحسّنت العلاقة السياسية مع مصر، بالإضافة إلى تحسّن العلاقات مع تركيا التي تجلّت بزيارة إسحق هرتسوغ لتركيا في 9 آذار 2022، ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن التقرير يشير أيضا إلى أن إسرائيل ما زالت ترى أن عدم تغلغل السلام إلى المستوى الشعبي/ الجماهيري بمثابة تحدٍّ كبير أمامها.
اعتبر التقرير أن "اتفاقيات أبراهام" ودينامياتها الدافئة، تُسهم ليس فقط في تطبيع إسرائيل في المنطقة وتحويلها إلى جزء من التحالفات ومن النسيج العام الإقليمي؛ وإنما أيضاً في "تطبيع" الاحتلال وتوسيع هامش إسرائيل في الاستمرار بالاستيطان والتهويد.
تطورات دولية
دوليًا؛ قال التقرير إن تحسّنا طرأ على علاقة إسرائيل مع الإدارة الأميركية الجديدة بعد أن شهدت العلاقات مع الحزب الديمقراطي في ظل حكومة نتنياهو توترًا ملحوظًا، حيث تسعى الحكومة الحالية إلى ترميم مكانة إسرائيل وإعادة التموضع خارج الاصطفافات الداخلية الحزبية التي أنتجها انحياز نتنياهو الواضح للجمهوريين وترامب. في المقابل، تُظهر إدارة بايدن رغبة في إعادة العلاقات إلى سابق عهدها، مع وجود قضايا أساسية تتفاوت فيها المواقف أهمها الملف الإيراني والعلاقات مع الصين.
على الصعيد الأوروبي، يرى التقرير أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة تسعى إلى زيادة أخذ مسافة من الأنظمة اليمينية الشعبوية التي عمّق نتنياهو التعاون معها، مقابل إعادة الاقتراب من الدول المركزية الغربية التي تم إهمالها، وممّا لا شكّ فيه أن الحرب الروسية على أوكرانيا تُعطي دفعة إضافية لهذا التوجّه.
"حكومة التغيير" والتصدّعات الداخلية
حلل التقرير سياق تشكل حكومة "التغيير" اعتمادا على تحالف هش بعد 12 عامًا على حكم بنيامين نتنياهو، وأزمة سياسية شديدة تمثّلت في إجراء أربع جولات انتخابية خلال عامين.
واعتبر التقرير أن تشكيلة الائتلاف الحكومي الإسرائيلي خاصة، والخارطة الحزبية السياسية عامة، تظهر عمق الصدع الداخلي وإعادة إنتاجه على أساس إثنو/ أيديولوجي بين معسكرين: معسكر اليمين القومي الجديد الذي يضمّ الحريديين وأغلبية من الشرقيين والأحزاب المتطرّفة الدينية الكهانية والحردلية واليمين الشعبوي، ويلتف هذا المعسكر حول نتنياهو ويتبنّى خطابًا تحريضيًا معاديًا لمؤسسات القضاء وجهاز الشرطة والنخب، وهناك من يطلق على هذا المعسكر "إسرائيل الثانية"، يقف في مقابله معسكر "المؤسّسين الورثة" الذي يُطلق عليه أيضًا "إسرائيل الأولى"، ويضمّ بالأساس الأشكناز من سلالات جيل المؤسّسين من يمين تنقيحي ويمين علماني وأحزاب الوسط واليسار، وأشكناز من الصهيونية الدينية الليبرالية الذي يمثّله نفتالي بينيت.
إسقاطات انضمام حزب عربي للائتلاف الحكومي
وحول انضمام حزب عربي للائتلاف الحكومي، قال التقرير إن الانضمام خلخل القواعد التقليدية للعمل السياسي الإسرائيلي، الذي ينطلق من استبعاد الأحزاب العربية، بشكل آلي، من تشكيلات الائتلافات الحكومية، ويحدّد عادةً حدود "الشرعية" بالحدود اليهودية للأعضاء، أو بالعرب في الأحزاب الصهيونية.
وقال التقرير: في المقابل، يُشكّل انضمام الموحدة للائتلاف الحكومي حدثًا استراتيجيًا فارقًا على مستوى الفلسطينيين في إسرائيل، بسبب القبول بالاندماج في البنية القائمة وفق شروطها، وعلى أساس خطوط عريضة ائتلافية يمينية متعارضة مع القانون الدولي (وليس فقط مع الموقف الفلسطيني) ممثلة بالاحتلال ومكانة القدس والاستيطان.
تعقيب
واعتبر الأستاذ في برنامجي الماجستير في الديمقراطية وحقوق الإنسان والدراسات العربية بجامعة بير زيت د. جورج جقمان في تعقيب له أن التقرير يوفر تحليلات مهمة، وتشخيصا للوقائع، يحرض على مجموعة من الأسئلة تتعلق بالمستقبل، تتركز حول شعار حول الدولتين وسرّ قدرته على البقاء رغم الوقائع المتعارضة معه، وخط النهاية له.
وحول البدائل المتداولة في هذا السياق، وعلى وجه الخصوص حل الدولة الواحدة، نبه جقمان إلى غياب الحديث عن الكيفية والآليات والبنية التنظيمية اللازمة للعمل عليه كمشروع.
وشدد جقمان على أهمية التقارير الدولية التي تربط بين إسرائيل والفصل العنصري، معتبرا أنها بداية لطريق طويل يتطلب الكثير من العمل ضمن مشروع مواجهة جديد، يرتكز إلى عناصر ترتبط باهتمامات الناس، ويناهض سرقة الأرض، ويدعم حركة المقاطعة في العالم عبر بناء شبكات عالمية من خلال الجاليات الفلسطينية، ويتبنى لغة خطاب يفهمها العالم.
ختامًا، يذكر أن تقرير "مدار" السنوي الذي تحرره د. هنيدة غانم، ويشارك فيه نخبة من المتخصصين في الشأن الإسرائيلي، يتضمن سبعة محاور أساسية هي: محور إسرائيل والمسألة الفلسطينية، المحور السياسي/ الحزبي الداخلي، محور العلاقات الخارجية، المحور الأمني/ العسكري، المحور الاقتصادي، المحور الاجتماعي، وأخيرًا محور الفلسطينيين في إسرائيل.
شارك في إعداد محاور التقرير للعام الحالي، كل من: وليد حباس، عبد القادر بدوي، مهند مصطفى، أنطوان شلحت، فادي نحاس، عاص الأطرش، عرين هواري، وأحمد أمارة.
[email protected]
أضف تعليق