كتب ه- رجا اغبارية
يحتار المراقب من القدرة التدميرية الممنهجة والمدروسة التي يمتلكها محمود عباس بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتنازل عن الحقوق الوطنية في العودة والتحرير والسيادة، من تدمير للقضية، مروراً بتدمير المؤسسات الوطنية التي عُمدت بدم الشهداء الفلسطينيين مثل المجلس الوطني الفلسطيني - منظمة التحرير.
لكن بتحليل هادئ، نجد ان الرجل منسجم مع دوره المنوط به من قبل الصهيونية بقيادة "إسرائيل" ، وهو بذلك ينسجم مع ما يؤمن به وما وقع عليه ، أي أن 78% من ارض فلسطين هي " حق تاريخي " لليهود ليقيموا عليه دولتهم ( "بيتهم القومي" ) والباقي هي حصة الشعب الفلسطيني لإقامة دولته عليه، أي في الضفة والقطاع وجزء من أطراف القدس وتبادل أراضي بين مستوطنات الضفة مع أراضي من الـ 48 ودون عودة اللاجئين ( الى صفد ) ودون الشتات وتحويل الفلسطينيين المحتلين عام 48 الى "إسرائيليين" بقرار فلسطيني ينسجم مع قرارات الأمم المتحدة من عام 48 اذا شئتم ... فما الغريب بالأمر ؟ أليس هذا ما جرى في المفاوضات بينه وبين اسياده الصهاينة! تحت سمع وبصر وخجل المعارضين من رفاق "السلاح".
لكن اسياده خذلوه وصادروا ارض الدولة المزعومة، واعطوه حكماً ذاتياً لتقديم خدمات بلدية في الضفة الغربية تحديداً، يسمى دولة شكلانية لها رئيس وبساط احمر، لها علم عزيز اسمه العلم الفلسطيني الذي استشهد مئات آلاف الفلسطينيين في خدمته، حيث نالت منظمة التحرير التي وقعت اتفاق أوسلو و"أنجزت" كيانية "الحكم الذاتي" التي يقودها "محمود عباس"، منزلة عضو مراقب في الأمم المتحدة تعترف بها دول يفوق عددها عدد الدول التي تعترف بإسرائيل ..
هذا بالنسبة لعباس الإنجاز الذي "استطاع " تحقيقه من خلال المفاوضات – السبيل الوحيد لتحقيق "الحقوق الوطنية
هذا بالنسبة لعباس الإنجاز الذي "استطاع " تحقيقه من خلال المفاوضات – السبيل الوحيد لتحقيق "الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني"، وهذا ما يناضل من اجله الشعب الفلسطيني بحسب نهجه، وهذا ما يمكن تحقيقه في ظل موازين القوى العالمية والعربية والفلسطينية - صهيونية .
لقد انجز "دولة تحت احتلال" ويطالب العالم و"إسرائيل" ان تعترف بذلك وتخرج الاحتلال من دولته المحتلة. انه يدرك تماماً ماذا يفعل ويقول بعظمة لسانه انه:" يعيش تحت "بصطار" الاحتلال " ..
لذلك نستنتج ان إبقاء هيكل منظمة تحرير حتى لو اماتها سريرياً، مقصود ومتعدد متعدد الأهداف، اخطرها ان الشعب الفلسطيني يبقى واهماً بتحرير ارض دولة فلسطين (الضفة والقطاع) ليقبل آنياً بالإدارة الذاتية التي تديرها السلطة الدايتونية، ويلجم ايضاً فصائل منظمة التحرير التي بقيت في المنظمة لأنها تعتبرها " الوعاء الموحد للشعب الفلسطيني الذي عُمد بدماء الشهداء "، للحصول على كرباج المبلغ الشهري الذي توافق عليه "إسرائيل" وامريكا، مصدره أموال الدعم العالمية المخصصة للشعب الفلسطيني ...
وبسبب تفرده بقيادة وقرارات هذا الهيكل الفاسد الذ ي استخدمه كشماعة للتفريط والتنازلات ومنع مقاومة الاحتلال .. فإن تحركات عديدة حصلت في أوساط الشعب الفلسطيني بالشتات والداخل "لإعادة بناء منظمة التحرير" على قاعدة ميثاقها الوطني او القومي او حتى قرارات المصالحات التي تشمل "حماس "و"الجهاد" ... فمعظم المتحركين باستثناء الـ48 يجمعون او يتناغمون بخجل مع "محمود عباس" على إقامة الدولة الموهومة المحتلة في الضفة والقطاع، بدون قدس وعودة لاجئين وبدون الجزء المحرر يهودياً - اوسلوياً من فلسطين (48) ...
"محمود عباس" ومن يفكر له، ربما من مراكز أبحاث "إسرائيلية" او المخابرات "الإسرائيلية"، باتوا يدركون أن بقاء هيكل منظمة التحرير اصبح يشكل ازعاجاً ولو طفيفاً لسلطة دايتون التي يرأسها هو نفسه - رئيس الدولة الوهمية ، المنظمة ، وفوقهم او تحتهم " فتح الغلابة " ..
" القانون " :
لذلك اصدر "قرار بقانون" (انظر المرفق)، يقضي بدمج منظمة التحرير الفلسطينية ودوائرها ومؤسساتها والمؤسسات التابعة لها ، كإحدى مؤسسات الدولة المحتلة . بهذه الخطوة فقد اقدم على وأدها نهائياً قبل فوات الأوان وقبل ان تتصاعد التحركات لانتخاب "مجلس وطني لكل الشعب الفلسطيني" على مختلف الاقتراحات والمشروعات المعدة ، من المباشرة حتى الالكترونية ، للشعب غير المحدد من هو وأين هو وكم عدده حقيقة.. لينهي بذلك منظمة التحرير ورمزيتها والنقاش الدائر حولها وليكرس بذلك سلطة الحكم الذاتي وحكومتها تحت الاحتلال، وليقلب معادلة ان السلطة تابعة للمنظمة او منبثقة عنها.
قطعت جهيزة قول كل خطيب:
هذه الخطوة المنسجمة بشكل منهجي مدروس ومنقطع النظير مع ما يؤمن به " محمود عباس" الذي انجز دولة تحت بصطار الاحتلال حسب تعريفه، "قطعت قول كل خطيب " ، ولم تبقي الا الصراخ والعويل لمن تمسك بمنظمة وهمية ، سذاجة او مصلحة مالية من اجل البقاء ، لدرجة ان هذه الفصائل هي نفسها تحولت الى هياكل بعد أوسلو وانخراطها الفعلي بمؤسساته ، كالمشاركة في الحكومة او انتخابات المجلس التشريعي ، فصائل مموجة وتابعة لعباس عملياً شاءت ام ابت .. هكذا على الأقل يدركها الشعب المغلوب على امره ..
موضوعياً عباس يتصرف بشكل ديالكتيكي صحيح ، لكن بشكل معكوس لمضمون منظمة التحرير ، فما بدأنا به عام 1964 لم يعد مناسباً لعام 2022 آخذين بعين الاعتبار مسلسل التنازلات منذ عام 1974 وعام 1988 ( دورة الجزائر ) وشطب الميثاق في تسعينات القرن الماضي .. منهياً بذلك دور منظمة التحرير، مكتفياً بإنجاز اتفاق أوسلو والإعلان عن قيام دولة (سلطة) تحت الاحتلال.
شكراً عباس:
يجب ان نشكر "محمود عباس" لمساهمته في انهاء النقاش ورهان المراهنين المخلصين والسذج على إعادة بناء منظمة التحرير وانتخاب مجلس وطني " للشعب الفلسطيني " سواء بميثاقها القومي او الوطني، وقد تصرف الرجل بكل مصداقية مع نهجه وقناعاته والتزاماته لدولة الاحتلال، حيث انعكست هذه كممارسات على الأرض بموافقة الجميع ولو على مضض. هذا الجميع الفصائلي هو من منحه الشرعية المفقودة، حيث لا يزال هؤلاء المخلصين والسذج والعاجزين وربما المقتنعين يفتشون عن وحدة " وطنية " معه ومع ما يمثل في إطار الحفاظ على منظمة التحرير التي تم تحويلها الى "هيكل" سابقاٌ ووأدها عباس اليوم.
لقد اصدر " سيادة الرئيس " القانون من طرف واحد كما فعل دائماً، لأنه يدرك تاريخياً ان خصومه السياسيون لا يجرؤون على التصرف بندية مثله من منطلق " المسؤولية الوطنية " والرهان على " الوحدة الوطنية " وان "الصراع الأساسي مع الاحتلال " .. الى آخر هذه الكلاشيهات التبريرية التي يدركها محمود ويسخر منها ... ويمضي في أداء دوره المنسجم في خدمة الاحتلال وتصفية القضية الفلسطينية ... حتى حول منظمة التحرير الفلسطيني بدعم واعتراف العالم ودولة الكيان وجيشها ومخابراتها الى منظمة تصفة فلسطين ، لتبقى تختصر بـ : م ت ف !!!
الملعب الآخر :
الكرة الآن في ملعب الطرف الآخر ، غالبية الشعب الفلسطيني الذين يفتشون وينتظرون بديلاً مقاوماً وازناً ، من قوى مخلصة للشعب ولميثاق المنظمة القومي بصفته دستوراً شاملاً للشعب الفلسطيني ، حيث لا تنفع الادانات والتهديدات التي يدرك عباس وجماهير شعبنا انها ستتبخر بأول إشارة منه لهذه الأطراف للحوار حول كذبة الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام وو ... السيناريو المعهود ! فهل نقطع مع هذا السيناريو بالمطلق !
يجمع المؤرخون العرب والأجانب ان نكبات الشعب الفلسطيني المتعاقبة تكمن بنسبة عالية وحاسمة بنهج ومواقف قيادات الشعب الفلسطيني المتعاقبة، فهل هذه النكبة تكون محفزاً لاستعادة جوهر وميثاق المنظمة، لا هيكلها المدفون، وتأطير كل من هو ضد نهج محمود عباس التدميري، بشكل ديمقراطي وبشراكة حقيقية وببرنامج مقاوم للاحتلال الصهيوني .. فهل سيقف هذا الشعب على اقدامه من جديد كشعب مقاوم للاحتلال ويبدأ الثورة السيزيفية من جديد وبأجيال "سيف القدس " !
[email protected]
أضف تعليق