السؤال:
الشخص المسلم الذي يؤمن بما شرع الله تعالى من الشرائع، ويؤمن بفريضة الصلاة والصوم، ومقتنع أن الله تعالى شرع وأنزل، لكن هذا الشخص يتمنى في نفسه ويقول: يا ليت أن الله لم ينزل ولم يشرع الصلاة والصوم مثلاً، يتمنى ذلك في نفسه بسبب الكسل والتثاقل وصعوبة الصيام، وهذا الشخص لا يريد من ذلك التنقص من الدين أو محاربته، بل يحبّ الراحة وعدم التعب، فهل يشمله قول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [محمد: 9]، وهل هذا كفر أكبر مخرج من الملة، ويكون صاحبه مرتداً عن الدين؟


الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

المؤمن بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم هو المصدق بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، جاء في [إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد/ ص87]: "وفسر الإيمان: أي حدّه جمهور الأشاعرة والماتريدية وغيرهم بالتصديق المعهود شرعاً، وهو تصديق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما علم مجيئه به من الدين بالضرورة، أي فيما اشتهر بين أهل الإسلام وصار العلم به يشابه العلم الحاصل بالضرورة بحيث يعلمه العامة من غير افتقار إلى نظر واستدلال".

وامتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه سبحانه واجب شرعي على كل مكلف، ولذلك فإنه يجب شرعاً على المسلم أن ينقاد لشرع النبيّ صلى الله عليه وسلم انقياداً تاماً، وذلك علامة الإيمان الكامل، لقول الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

وأما ارتكاب المعاصي كترك الصلاة والصوم مثلاً، فهو أمر محرم شرعاً وكبيرة من الكبائر، لكنه لا يخرج المسلم من الملة ولا يزيل إيمانه بالكلية، بل ينقصه، ويبقى صاحب المعصية مؤمناً مسلماً معصوم الدم والمال، وهذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة إجماعاً، قال الإمام سيف الدين الآمدي رحمه الله: "وقد اختلفوا في أهل الكبائر من المؤمنين إذا ماتوا عنها من غير توبة، فالذي عليه إجماع المسلمين أنهم ماتوا على الإيمان" [أبكار الأفكار في أصول الدين 4/ 360].

وأمّا كراهة المسلم لبعض أحكام الشريعة الإسلامية مع إيمانه بها فأمر لا ينبغي للمؤمن الكامل الإيمان، بل يجب أن يكون قلب المؤمن تبعاً لما جاء في الشرع، لكن قد تكون الكراهة طبيعية بمعنى عدم الرغبة في التعب وإيثار الراحة على الاجتهاد في العبادة، فلا تكون هذه الكراهية كفراً بالله تعالى، بل ينبغي على المؤمن أن يسعى في تقوية الإيمان في قلبه بحيث يحبّ الطاعات ويكره المعاصي ويكون على ما يحبه الله تعالى من الأحوال والأقوال، قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُون} [الحجرات: 7].

وقد وقع هذا النوع من الكراهة الطبيعية لبعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، خصوصاً في الأمور الشاقة على النفوس كالتضحية بالنفس والمال، حيث أخبر الله تعالى عنهم أنهم كرهوا الخروج إلى القتال في غزوة بدر وفضلوا المغانم، قال الله سبحانه: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5]، وأخبر الله تعالى أنّ القتال في سبيل الله مكروه بالنسبة للمؤمنين بحسب طبيعة الإنسان ومقتضى بشريته، قال سبحانه وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون} [البقرة: 216]، وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ* إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُم} [محمد: 36، 37].

وقد يتوهّم بعض المسارعين في تكفير المسلمين أنّ كراهة الإنسان لبعض ما جاء به النبيّ صلى الله عليه وسلم سبب في الكفر والخروج من الملّة، وهذا أمر يلزم عنه تكفير الصحابة وعموم المسلمين، لأن أداء بعض الأحكام الشرعية مع كراهتها كراهية طبيعية أمر واقع أخبر عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وليس كفراً بل هو سبب في زيادة الأجر وتعظيمه عند الله تعالى، حيث جاء من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟) قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) رواه مسلم.

ويستدل هؤلاء المسارعون في التكفير بقول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُم} [محمد: 9]، وأغفلوا أن هذه الآية نزلت في الكفار والمنافقين الذين يكرهون ما أنزل الله كفراً بها وجحوداً لها وتكذيباً بها، لا مجرد كراهة طبيعية، فلا يجوز تنزيلها على المؤمنين.

وعليه؛ فإنّ كراهة المسلم لبعض أحكام الشريعة الإسلامية كراهة طبيعية لا ينافي الإيمان، لكن المؤمن الكامل الإيمان يحب الله ورسوله وأحكام الشريعة الإسلامية، وينقاد لها راضياً بها، وتكون محبته لما يحبه الله ورسوله أعظم من محبته لما يشتهيه. والله تعالى أعلم.

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]