لا تقتصر تحدّيات الصرع على النوبات التي تصيب المريض، وإنما قد تمتدّ لتشمل أمراضًا مصاحبة مثل الاكتئاب والقلق، ونظرة المجتمع المختلفة اليهم . لكن معظم هذه التحديات يمكن حلّها إذا سعى الأفراد للحصول على الرعاية المناسبة في الوقت المناسب، وإذا جرى تبديد الخرافات المحيطة بالمرض، وفقًا لخبير طبي يعمل في منظومة الرعاية الصحية العالمي البارزة، كليفلاند كلينك، والذي جاءت تصريحاته قبيل الاحتفال باليوم العالمي للصرع، الموافق لـ 14 فبراير.
ويعاني حوالي 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم من الصرع، ما يجعله أحد أكثر الأمراض العصبية شيوعًا على مستوى العالم، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. ويتسم هذا المرض بنوبات دورية لاإرادية، يمكن أن تتباين شدتها بين الخفيفة والقوية. وقد تظهر النوبة على شكل تحديق مطول ورَمش سريع، وممارسة سلوك غير عادي، وشعور قوي بمعايشة اللحظة الحالية في الماضي (ما يُعرف بـ "ديجافو")، وتصلّب العضلات أو استرخائها المفرط، وفي حالات نادرة ارتعاش في الذراعين أو الساقين أو الرأس، والسقوط وفقدان الوعي.
يمكن لمرضى الصرع أن يعيشوا حياة طبيعية كاملة إذا استطاعوا تشخيص النوبات والسيطرة عليها
ويمكن لمرضى الصرع أن يعيشوا حياة طبيعية كاملة إذا استطاعوا تشخيص النوبات والسيطرة عليها في الوقت المناسب من خلال العلاج بالأدوية أو الجراحة، بحسب الدكتور عماد نجم مدير مركز تشارلز شور للصرع في معهد كليفلاند كلينك للأعصاب، الذي أوضح أن التحدّي يكمن في تجاهل الأفراد للنوبات، لا سيما عندما تكون الأعراض خفية، أو في التشخيص الخطأ. لكنه أشار إلى تعمّد بعض المصابين الذين يدركون طبيعة نوباتهم، تأخير طلب الرعاية بسبب الخوف أو بسبب جهلهم لأهمية العلاج الفوري.
وغالبًا ما تكون النوبات خفيّة مقارنة بالتشنجات، ما يؤدّي إلى تجاهلها أو تشخيصها خطأً، وفق ما أكّد الدكتور نجم، الذي قال إن الحديث مع بعض الأُسر أظهر أن بعض الأطفال، مثلًا، قد شُخّصوا خطأ في السابق بالإصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، بينما كانوا في الواقع يعانون "نوبات صرع نفسية" مثل التحديق في الفراغ، أو إظهار حركات مضغ غير منضبطة أو صفع الشفاه.
ولفت خبير الأعصاب إلى أن تشخيص الصرع قد يكون سريعًا وسهلًا عبر اختبار مخطط كهربية الدماغ الذي يسجل النشاط الكهربائي للدماغ، كما يمكن تقييم السبب المحتمل للمرض من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي، مؤكّدًا أهمية تشخيص المرض ومعالجته بطريقة صحيحة وبسرعة، وأضاف: "إذا لم نتحكم في النوبات فقد يؤدي ذلك إلى تدهور صحة المريض، وتلف الخلايا العصبية المصابة في الدماغ، ناهيك عن إمكانية تعرّض المصابين الذين يعانون النوبات للسقوط أو الغرق أو الحروق العرضية أو حتى الوفاة".
أوضح أن المصاب بالصرع قد يتعرّض لحالة تُعرف بـ "الموت المفاجئ غير المتوقع في حالة الصرع
وأوضح أن المصاب بالصرع قد يتعرّض لحالة تُعرف بـ "الموت المفاجئ غير المتوقع في حالة الصرع" SUDEP، والتي تحدث في حوالي شخص من كل ألف شخص مصاب بالصرع، معتبرًا أن الطريقة الوحيدة للوقاية من هذه الحالة تكمن في "البحث عن علاج للسيطرة الكاملة على النوبات".
ومضى إلى القول: "ثمّة سبب آخر يدعونا لطلب العلاج على الفور، يتمثل في أن التحكّم في الأعراض يمكن أن يساعد أيضًا في التخفيف من الأمراض المصاحبة للصرع، إذ يعاني العديد من المرضى من الاكتئاب أو القلق، وغالبًا ما نجد أن هذا يُحلّ بمجرد السيطرة على النوبات".
وثمّة العديد من العلاجات المتاحة، وفقًا للدكتور نجم، الذي أكّد أن فاعليتها تزيد في كثير من الحالات كلما بدأ تطبيقها مبكرًا.
وأضاف: "العلاج الأول والأهم هو الأدوية المضادة للنوبات، التي يمكن بها السيطرة على النوبات لمدة طويلة في نحو 70 في المئة من مرضى الصرع. أما إذا لم تتوقف النوبات مع الأدوية، فقد نفكّر في اللجوء إلى الجراحة، لكننا نحتاج أولًا إلى تحديد الموقع الدقيق للمرض في الدماغ".
كثيرًا ما يتردّد المرضى في البداية في إجراء جراحة الصرع لأنهم لا يدركون مدى قدرتها على إنقاذ حياتهم
ومضى إلى القول: "كثيرًا ما يتردّد المرضى في البداية في إجراء جراحة الصرع لأنهم لا يدركون مدى قدرتها على إنقاذ حياتهم، عدا عن ظنّهم في الغالب بأنها عملية جديدة، مع أنها في الواقع كانت علاجًا سائدًا منذ سبعينيات القرن الماضي، كما أن احتمال التخلص من النوبات تمامًا بعد الجراحة تفوق 50 في المئة. وعلاوة على ذلك، فقد يكون بعض المرضى مؤهلين لإجراءات عمليات جراحية جديدة طفيفة التوغل، مثل استئصال الأجزاء الصغيرة المسببة للصرع من الدماغ بالليزر عبر مجسّات صغيرة".
وانتهى الدكتور نجم إلى القول: "إن الأبحاث المستقبلية تنظر في خيارات علاجية واعدة للغاية، بينها استخدام إجراءات أقلّ توغلًا كالعلاج بالموجات فوق الصوتية المركزة، وزرع الخلايا الجذعية الداخلية، والعلاج الجيني.
[email protected]
أضف تعليق