المجتمع الإسرائيليّ هو مجتمع يتألّف من قبائل مختلفة. كان هذا أفضل وصف له من قبل رئيس الدولة السابق، رؤوفين ريفلين، في خطابه في مؤتمر هرتسليا قبل بضع سنوات. ما تبقّى محفورًا في الذاكرة على الأقلّ بالنسبة لي، هو العجالة التي يتعيّن علينا التعامل بها مع ما وصف رئيس الدولة. في تصريحاته، وصف الرئيس عدم وجود لقاء بين القبائل المختلفة في المجتمع الإسرائيليّ: حالة نتائجها هي الاغتراب، عدم الثقة والمسّ بالتماسك الاجتماعيّ. أكّد المؤرّخ ابن خلدون على أهمّيّة هذا التماسك، حيث تحدّث في القرن الـ 12 عن"العصبيّة" وهي نفس وعي التضامن الاجتماعيّ الذي يقف في أساس المجتمع السليم ويحول دون تفكّكه. يضمّ التماسك الاجتماعيّ العديد من المركّبات، وأهمّها مسألة الثقة. خلق علاقات ثقة بين الفرد والدولة، بين الفرد والأفراد الآخرين وبين المجموعات التي تشكّل المجتمع- هو البنية التحتيّة العميقة التي تستند إليها عناصر، مثل: الشراكة المدنيّة والانتماء الاجتماعيّ.
يبدو أنه في منظومة العلاقات بين المجتمع العربيّ في إسرائيل والمجتمع اليهوديّ، فإنّ موضوع الثقة مشحون للغاية وله جوانب تاريخيّة، سياسيّة واجتماعية تؤثر على القدرة على إنتاج الثقة والحفاظ عليها. لكن حقيقة أنّ القضايا مشحونة وتلمس على أساس هويّة كلّ واحد منّا تجبرنا جميعًا على إيلاء الموضوع مزيدًا من الاهتمام.
نحن في عصبة مكافحة التشهير في إسرائيل، كمنظّمة يهوديّة أمريكيّة، نبذل الكثير للقضاء على ظواهر، مثل: معاداة الساميّة وكراهيّة القضايا بما في ذلك الإسلاموفوبيا، كراهية المثليّين وكراهية الأجانب وغيرها. كمنظّمة تعمل منذ 108 سنوات في الولايات المتّحدة وحول العالم، كجزء من عملنا الطويل الأمد، نركّز على التعليم والنشاط العامّ في مجال مكافحة الكراهية. في إسرائيل على وجه التحديد، التي نعمل فيها منذ عام 1977 مع جميع فئات المجتمع الإسرائيليّ، وبالطبع مع المجتمع العربيّ أيضًا. وعلى مدى سنوات عديدة، عقدنا برامج تعليميّة تشمل سيرورات عميقة من التعارف واللقاء، بالإضافة أنشطة عامة تهدف إلى رفع مستوى الوعي والعمل لمواجهة ظواهر الأفكار النمطيّة، العنصريّة والتمييز ضدّ المواطنين العرب. ولكن نحن أيضًا، الذين لدينا اتّصال مع المجتمع العربيّ أكثر من المواطن الإسرائيليّ العاديّ، لم نكن مستعدّين لما حدث في أيّام عمليّة حارس الجدران. لهذه الأحداث، إلى جانب ارتباطها بالجوانب الوطنيّة، أسباب هامّة وكذلك عواقب اجتماعيّة. نحن، كجزء من منظّمات المجتمع المدنيّ المشاركة في تعزيز مجتمع مشترك في إسرائيل، طرحنا على أنفسنا أسئلة كثيرة في أعقاب الأحداث. لسنوات عديدة، تحدّثوا في المنظّمات التي تتناول قضايا الترابط والاعتراف بالآخرين، بما في ذلك نحن، عن القضايا المشتركة بيننا كبشر. هذه الأمور مهمّة وتهدف إلى خلق تواصل يتجاوز السياسيّ، التاريخيّ، الدينيّ والحزبيّ. مع ذلك، وإلى جانب حالات التواصل التي تم إنتاجها لا يزال هناك الكثير ممّا ينبغي فعله بالأساس من جانب أطراف في المجتمع المدنيّ. أودّ أن أعرض ثلاث زوايا مفاهيميّة وعمليّة هنا، حيث أرى أنّ التماسك الاجتماعيّ كعنصر هامّ في مرونتنا الاجتماعيّة والوطنيّة.
أوّلًا، أعتقد أنّ هناك اليوم المزيد من الانفتاح والتفاهم الذي نحتاج فيه إلى إيجاد طريقة لمناقشة ما يفرّق أيضًا، وإنتاج تواصل حقيقيّ يعترف بالاختلافات والخلافات. إلى جانب تعزيز التربية من أجل اجتثاث القوالب النمطيّة والآراء المسبقة– وهو أمر هامّ جدًّا لاجتثاث المواقف السلبيّة تُجاه الآخر – يظهر واقعنا أنّ البرامج والفعّاليّات القائمة فقط على المتشابه والمشترك، لا تفي بالتطرّق الهامّ والموضوعيّ إلى القضايا التي تفرّق بين المجموعات.
ثانيًا، ومن نفس المكان بالضبط، ناقشنا منذ سنوات عديدة دوائر تنهض بمجتمع مشترك حول موضوع اندماج المجتمع العربيّ في إسرائيل. هذا أيضًا موضوع يستحقّ المناقشة وبالأساس لإنتاج حلول عمليّة. ومع ذلك، إذا لم نعالج الشعور الذاتيّ بالانتماء لدى المواطنين العرب في إسرائيل، فإنّ الاندماج سيكون أقلّ قيمة وقد يخلق فجوة بين ما يحدث على أرض الواقع والشعور، ممّا قد يؤدّي إلى الإحباط. هذا الانتماء لا يتعلّق بوجهة نظر اجتماعيّة أو وجهة نظر سياسيّة. الانتماء هو أمر أساسيّ يجب علينا جميعًا، اليهود والعرب على حدّ سواء، أن نعمل بجدّ لإنتاجه. إذا نظرنا فقط إلى العامين الماضيين، حيث أصبح وباء كورونا مرآة ومحفّزًا للعمليّات الاجتماعيّة في إسرائيل والعالم، يمكننا أن نرى أهمّيّة الشعور بالانتماء، وكيف يؤثّر على الشراكة في إدارة الأزمات الوطنيّة والعالميّة. يبدو أن الوقت قد حان للانتقال من "الاندماج" إلى"الانتماء" - بالنسبة لي، هذه هي الخطوة الأولى في بناء الثقة.
ثالثًا، مسألة الشرعيّة المدنيّة لكل صوت في المجتمع. شهد المجتمع الإسرائيلي هزّة سياسيّة غير مسبوقة في العامين الماضيين، حيث مرّ بأربع حملات انتخابيّة انتهت بتشكيل حكومة في حزيران الماضي. إن لمجرّد تشكيل الحكومة وانضمام القائمة العربيّة الموحّدة إلى الائتلاف آثار بعيدة المدى ليس سياسيًّا فحسب، بل اجتماعيًّا أيضًا. كمنظّمة لها مكاتب عديدة في الولايات المتّحدة، يجب أن أقول إنّ وجود مثل هذه الحكومة المنوّعة هو إشارة مشجّعة جدًّا لليهود في الشتات، الذين يرون أنّ ثروة إسرائيل الاجتماعيّة تنعكس في هذه الحكومة، هي قوّة ومصدر فخر. بالنسبة لنا هنا في إسرائيل، الرسالة الاجتماعيّة ليست فقط أنّه عندما يكون هناك هدف مشترك من الممكن العمل معًا، بل أيضًا عندما تكون مجموعة داخل اللعبة، فإنّها قد لا تكون راضية دائمًا عن الخطوات التكتيكيّة، لكنّها شريكة كاملة في الاستراتيجية الشاملة ويُمنح صوتها المدنيّ المزيد من الشرعيّة. مثال القيادة هنا، من جميع الجوانب، هو منارة للمواطنين يسير المواطنون على ضوئه، وهو أمر مهمّ للغاية.
[email protected]
أضف تعليق