رماح يصوّبها معين أبو عبيد

الفن رسالة إنسانية سامية، تهدف إلى السمو بالإنسان، توعية ورقي المجتمع، محاربة الجهل ومظاهر العنف، التعصّب والكراهية وتحقيق العدالة، وتزرع روحًا إبداعية، تولد الراحة والتحرر وتروي آهات الروح وعذابات الفؤاد.
ما دام عندنا وبيننا، أمثاله فلن يولّيَ زمن الإبداع المسرحي لما يتمتع من قدرات وطاقات ومكونات الممثل ذي الذوق الخيال والتعبير، لا تعرف الحدود.
أعود وأؤكد مجددًا، أنّ المسرح والفن متعمق في جذوره ويجري في عروقه، وقد وضع نصب عينيه إيصال رسالة سامية إلى المجتمع، من خلال خشبة المسرح.
جاءت هذه المقدمة تزامنا مع عرض مسرحية "أنتيغوني تنتفض من جديد"، التي عُرضت لأول مرة يوم السبت في مركز مسرح الأفق في شفا عمرو من تأليفه وإخراجه. والكلام يدور عن الكاتب المسرحي الفنّان الشفا عمري عفيف شليوط الذي يسكن بجانب قلعتها وأسوارها القديمة التي شهدت تاريخًا حافلًا تحكي قصصًا وأحداثًا.
وهنا، لا بد من التطرق إلى تردي أوضاع الحركة الفنية والثقافية فيها التي تكاد تكون شبه معدومة، ولا تحضّ على الدعم ولا بأي شكل من جهة، ونلمس من جهة أخرى اللا مبالاة العامّة بالأعمال الثقافيّة، وتحديدا، من قبل الفنانين والمثقفين وأصحاب الأقلام وممثلي المؤسسات. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا ما تستحقه هذه المدينة العريقة؟
فلا يعقل أن عملًا مسرحيًّا كبيرًا وعلى أعلى المستويات، لا يتجاوز عدد مشاهديه 50 شخصًا! هذه محطة علينا الوقوف عليها مطولا وبحثها بعمق وعقلانية..
قد يبعث الأمل ويثلج الصدر، المبادرة التي قام بها الكاتبان زياد شليوط وحسين الشاعر والهادفة إلى تأسيس إطار "نادي الكتاب في شفاعمرو"، وستتمّ دعوة الكتّاب والشعراء وأصحاب الأقلام لاجتماع تأسيسي للنادي.
أعود إلى المسرحية، التي قام بتمثيلها كل من روضة سليمان، أمجد بدر، أمير يعقوب وسهى ربيع.
يستحضر المخرج والمؤلف شليوط من خلالها شخصية أنتيجوني، التي رفضت الانصياع لقرار الملك كريون بعدم دفن أخيها لأنه حسب منطق الملك لا يستحق هذا الأخ أن يعامل بكرامة ويدفن، لأنه برأي الملك يمثل الشر وفي المقابل يسمح بدفن أخيه الأخر الذي قتل معه لأنه يمثل الخير ويتم استحضار شخصية أنتيغوني التي رفضت الانصياع لأوامر الملك وقامت بتحدي قراره ودفن أخيها، لكنها تنتفض من جديد إزاء ما يجري ويدور اليوم في مجتمعنا تحديدًا وكافة أرجاء المعمورة عامة.
وعليه، كان موضوع اختيار موضوع المسرحية موفقًا جدًا، وجاء تزامنا مع تفاقم أعمال العنف، القتل، الهيمنة والإتاوات الذي بات يقلق أمن وأمان المواطن، راحته واستقراره.
ساد القاعة الصّمت المطلق خلال العرض، وبالكاد كانت تُسمع الأنفاس التي حبست من شدة التفاعل والانفعال، عمل مسرحي كبير مميز استطاع إيصال الرسالة للمجتمع من جهة، وترسيخ مكانة مسرح الأفق في المجال الثقافي من جهة أخرى.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]