يعتزّ المرء منا عادةً بثوابته، دينيّةً كانت أو وطنيّةً، وبتاريخه وتراثه، فبها يهتدي في مسيرته بين الشعوب، وفي المحافل الدوليّة والصراعات الإنسانيّة.
والمعروف أنّ البشر أنواعٌ فيما ذُكر، فمنهم قويّ العود، بعيد النظر لا ينحني ولا يتنازل، ومنهم دون ذلك، مثلما هو حال من تبنّوا ثقافة التبرير والانحناء الفكري عن عِلمٍ، فباتوا صيدًا ثمينًا في شباك الخصوم، يدافعون عنهم، وينظّرون لهم ولبقائهم في السلطة، حتى وإن تطلّب ذلك التنكّر لأمْسهم القريب، ولروايتهم الوطنيّة، مقابل الفتات.
إنّ هذا النهج "النهجُ الجديدُ" الذي غدا البعض ينادي به، ويرفع صوته عاليًا به، معارضًا للقيم والثوابت باسمه واسم الجميع، بل والكلّ الفلسطينيّ في الداخل، عمره عمر هذه الحكومة، إلاّ إذا غدا مقبولاً لدى الآخرين، ومهضومًا لدى المروّجين له، الذين لم يبقوا نظريّةً فلسفيّةً، ولا معرفيّةً، ولا سياسيّةً إلاّ ووظّفوها خدمةً له.
إنّ "النهج الجديد" هذا، نهجُ " العربيُّ الجيّدُ" خطيرٌ على مستقبل مجتمعنا الفلسطيني في الداخل، لأنّه يؤسّس لفكرٍ جديدٍ متأسرلٍ أولاً، ومهزوز الانتماء ثانيًا، مستعدًا للاندماج والذوبان في المجتمع والثقافة الإسرائيلية ثالثًا، ومتنكّرًا لروايته التاريخيّة رابعًا، ومتهاونًا في التنازل عن ثوابته خامسًا، ومطلبيًا سادسًا.
إنّ النهج الذي أوصل دعاته لمرحلة الدفاع عن بقاء سلطة المؤسّسة الإسرائيلية التنفيذيّة وبقوّةٍ، وتبنّي برنامجها السياسي بكل مساوئه، يذكّر بأنماط تحالفاتٍ وسلوكياتٍ كثيرةٍ دوّنها التاريخ في صفحاته، فباتت تلوكها الألسن، و"تتزيّن" بها المجالس، لفئات آثرت مداهنة المحتل، والقبول به، ومشاركته في مؤسّساته، فطواها النسيان، لا بل غدت منبوذةً من شعوبها.
إنّ نهجًا جديدًا يكيل المديح للشرطة الإسرائيليّة القمعيّة، ويعلي من شأنها وأدائها أكثر من مرّةٍ، ويتغنّى دعاته بالمواطنة الإسرائيليّة، ويغرّد خارج الإجماع الوطني في كثير من قضايانا الوطنيّة، ويتعاطى بليونة ويسر مع تمادي وتعدّي الإسرائيليين على المقدّسات، لا بل يبدي تغافلاً عنها مبرّرًا ذلك باهتمامه أولاً بخدمة المجتمع العربي في الداخل، يغامر بمستقبله، ولن تنفعه ما يسميها إنجازاته أبدًا.
هذا "النهجُ الجديدُ"، نهجٌ تطبيعيٌ مع المؤسّسة الإسرائيليّة، وانحرافٌ معياريٌ خطيرٌ عن الإجماع والصف الوطني، كما سلف، ستتضرّر منه لا محالة، إن استمر، شرائح من الأجيال الناشئة.
فماذا جنى أتباع "النهجِ الجديدِ" من المشاركة في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي يا تُرى؟ سيقال "إنجازات" غير مسبوقةٍ منذ نكبة عام 48، إلاّ أنّ هذه الإنجازات إن تحقّقت ولم تبق حبرًا على ورقٍ، ورهن مصادقة الدوائر المختصّة والبيروقراطيّة القاتلة، هذه المسمّاة إنجازاتٍ لم يُصادق عليها بدون ثمنٍ أبدًا، ففي المقابل تمّت المصادقة على ميزانيّة المؤسسة الإسرائيلية وما تحتوي من ميزانياتٍ للمستوطنات والاستيطان، والشواذ والجيش، والأجهزة الأمنيّة بأنواعها، والصناعات العسكريّة والحفريات أسفل المسجد الأقصى المبارك إلخ.. لا بل والتصويت مع الائتلاف ضد كل مشاريع القوانين المقدّمة للكنيست من غير الائتلاف الحاكم مثل: قانون لم الشمل للفلسطينيين، والكهرباء، ورفع مخصّصات الأولاد.. إلخ.
وأخيرًا، إنّ نهجًا كهذا يُعدّ انحرافًا عن البوصلة الوطنيّة والإجماع الوطني، وردّةً فكريةً ومنهجيّةً، تدفع بقوّةٍ نحو مزيدٍ من الأسرلة والاندماج والتعايش المنبوذ، وقبول رواية الآخر(فغدا حائط البراق "هكوتل همعرفي"..إلخ)، ووسيلةً مساعدةً للمؤسّسة الإسرائيليّة للتغوّل أكثر في سياساتها ضد شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده، والتنكّر لحقوقه الشرعيّة والمشروعة.
[email protected]
أضف تعليق