يدور نقاش جاد وحقيقي في الأيام الأخيرة حول قرار ادخال الشاباك والجيش في محاولة للقضاء على الجريمة والعنف في المجتمع العربي، هذا النقاش حيوي ومطلوب، ومما لا شك فيه انه لا مكان ولا مبرر لإدخال الشاباك والجيش للبلدات العربية فالقضية هنا قضية مدنية وليست قضية امنية علاوة على ذلك فإن خطوة من هذا القبيل هي مس اخر بالحيّز العام الديمقراطي.
لكن في غرف مغلقه يدور نقاش اخر، النقاش الأهم والاساس، اذ تدور الجلسات والنقاشات في الغرف المغلقة حول الخطة الخماسية القادمة للمجتمع العربي.
قبل التطرق لمحتوى الخطة الخماسية والتي ستطرح اليوم الاحد 24.10.21 على طاولة الحكومة لإقرارها، يجب ان نؤكد أولا وقبل كل شيء: لا يمكن إدارة النقاشين (العنف والخطة الخماسية) كخطوط متوازية ولا يمكن التقدم في أحدهما بمعزل عن الاخر.
لن يكون هناك أي حل في الأفق لمحاربة العنف والجريمة إذا ما تم اختزال القضية بالأمن وبمعزل عن قضايا التعليم، الرفاه الاجتماعي، البنية التحية، الإسكان والحكم المحلي، الصحة وغيرهم وبغض النظر عن كمية الأسلحة التي سيتم ضبطها، طالما ان المبادرون العرب الشباب يجدون ألف باب مغلق امامهم في محاولتهم الحصول على ضمان ائتمان فانه سيضطر للجوء للسوق الرمادية ولن يتغير حالنا وسيبقى العنف!
والان الى التفاصيل بما يتعلق بالخطة الخماسية الجديدة والتي تقدر حسب مصادر وتقارير نشرت بحوالي 30 مليار شيكل.
هل فعلا علينا الوقوف والتصفيق والتهليل لهذا "الإنجاز العظيم"؟
الجواب بالتأكيد لا! واسف لأنني أعطّل القليل من النشوة والفرح السياسي هنا!
إذا كان هنالك امر ما تعلمناه في السنوات الخمس الأخيرة (غير ازدياد العنف والقتل في المجتمع العربي) هو الحقيقة بأن تخصيص الميزانيات على الورق بعيد بل بعيد جدا عن الواقع وحل المشاكل الراهنة بشكل حقيقي إذا لم يكن هناك تطبيق عملي لما يرصد ويخطط، اي إذا لم تتوفر اليات العمل المطلوبة عندئذ يمكن اعتبارها ببساطة بأنها خدعة!
وفيما يلي بعض الحقائق العملية والمؤكدة من قبل الحكومة نفسها التي أقرت الخطة 922 بإجمالي 15 مليار شيكل على الورق الا انه فعليا تم تخصيص 7.6 مليار شيكل فقط ومن ضمن هذه الــ7.6 مليار تمكنت السلطات العربية من ان تحصّل فقط 3.6 مليار شيكل. أي حوالي ثلث الميزانية التي أقرّت على الورق.
أي انه في الممارسة والتطبيق العملي فان الميزانيات وصلت *السكان* في المجالس والبلدات العربية، ولكن اجمالي *المواطنين* بقوا على الهامش.
ولعل أحد المعيقات الرئيسية حقيقة ما تعانيه بلداتنا العربية من نظام عمل فوضوي اذ تجد هذه السلطات صعوبة في التنفيذ في أحسن الأحوال وفي أسوأها يكون التنفيذ سيء على ارض الواقع ومما يدل على وجود فجوات في أدوات العمل والتي تعطي تميّز واضح للسلطات اليهودية على نظيراتها العربية.
ارصد ميزانية معينة لدى السلطات العربية على سبيل المثال وأخرى مساوية لها في السلطات اليهودية وراقب حينها في أي جانب من بين هذين الجانبين ستحقق الميزانية أكثر رخاء رفاهية واستقرار.
الخطة الخماسية السابقة (على الورق) لم تكن مشكلتها الأساس عدم وجود ميزانيات كافية ولا حتى عدم وجود نوايا حسنة، بل الأساس انها كانت تعاني من عدم وجود إرادة للعمل بشكل جدّي ومهني وافتقرت للشجاعة لوضع "الاصبع على الجرح" ولمس النقاط الساخنة والجوهرية التي تتطلب التدخل ناهيك عن عدم وجود إدارة واليات تنفيذ فعالة بالشكل المطلوب على كافة المستويات.
على متخذي القرار اليوم عند اجتماع الحكومة لإقرار الخطة الخماسية الجديدة التأكد والتساؤل عند مرورهم على بنود الخطة والميزانيات والأموال المرصودة كيف ستصل كل ميزانية وميزانية من هذه الميزانيات المرصودة بالشكل المطلوب والصحيح وهل توجد اليات عمل مهنية مهيئة للعمل بالشكل الصحيح والمطلوب لتنفيذ الخطط والميزانيات على ارض الواقع وان لا تبقى مجرد حبر على ورق.
*إبراهيم النصاصرة - مبادر اقتصادي-اجتماعي في المجتمع العربي ومؤسس ورئيس مجلس ادارة مجموعة تمام للأعمال والمبادرات الاجتماعية-الاقتصادية
[email protected]
أضف تعليق