بقلم: راضي شحادة
بين الموت المُكلف والموت الرّخيص:
في النظام الرأسمالي المـُتَغَوِّل، وكما يقول المثل الشّعبي: "إذا معك قرش تساوي قرشاً، وإذا لم يكن معك شيء فإنّك لا تساوي شيئاً"، والأغرب من ذلك فبدلاً من أن يكون "الموت بين النّاس نعاسا"، فإنّ الحياة والموت بين النّاس في هذه الحالة زبالة. يحدث هذا في "جزيرة القلب"، وهي حقّاً أكبر مقبرة في العالم، تتعدّى كثافة سكّانها الموتى - لا سمح الله- أضعاف أضعاف كثافة الأحياء الحَيَويّين في "چيتو غزّة".
إنّه الموت لبشرٍ معزولين في "جزيرة القلب"، لأنّهم مُعوِزون في حياتهم وفي مماتهم. هي ليست "جزيرة الكنز"، فـ"جزيرة الكنز" يموت فيها الأغنياء، والذين معهم قرش، ميتةً هنيئةً رغدةً ومرفّهةً؛ بل هي جزيرة شبيهة بأكوام القمامة، ولكنّ القمامه فيها عبارة عن جثث لبشر، عاشوا ميّتين وماتوا مجهولين تلازمهم رائحة الموت وتفوح منهم.
هذه الجزيرة موجودة في امبراطوريّة الولايات المتّحدة. إنّها حقّاً تدعى جزيرة القلب (غير النّابض. ر.ش)، وهي عبارة عن ركام من مليون جُثّة آدميّة. تقع هذه الجزيرة في قلب نهر "سانت لورنس"(القدّيس لورنس)، ولا علاقة لها بالقُدسيّة ولا بالقدّيسين.
"جزيرة القلب" (الميّت. ر.ش) تابعة لأكبر مدينة في الولايات المتّحدة وهي مدينة نيويورك. طول الجزيرة 1500 مترا وعرضها نصف كيلومتر. لها عدّة مسمّيات، وأحد أسمائها هو "جزيرة القلب" لأنّها تشبه القلب، ويقال إنّها سمُّيت بــ"جزيرة الأيائل"، وهي التّسمية المشابهة لغويّاً في اللغة الانجليزية لكلمة قلب، وربّما لأنّ الأيائل كانت تعيش في امبراطوريتها الخضراء قبل أن تُشرَّد وتُصطاد، وقبل أن تُحوّل الجزيرة الى مقبرة جماعيّة.
هذه الجزيرة المعزولة تابعة لمدينة نيويورك وجارتها، وما أدراك ما نيويورك، عاصمة الاقتصاد الأمريكي، و"القلب النابض!!؟" للاقتصاد ولــِ"الحضارة الأمريكيّة!؟". نيويورك، وما أدراك ما نيويورك..إنّها نيويورك التي تُعتبرُ عالميّاً رائدة الاقتصاد، والتّرفيه، والإعلام، والتّعليم العالي، والفنّ، والبحث العلمي والتّكنولوجي. ويقع فيها أيضا مقرّ الأمم المتّحدة، ومجلس الأمن الدّولي، وسوق الأوراق الماليّة، ومركز التّجارة العالمي المشؤوم، والبنك الدّولي الملعون، ويقيم فيها أكبر عددٍ من أصحاب الملايين الذين يعيشون ويموتون في أسمى حالات رفاهيتهم، أصحاب الـمَقَابر الرُّخاميّة الفارهة بالجنائن المزيّنة بالورود.
كانت الجزيرة بمثابة ساحة تدريب للقوّات الملوّنة(يعني غير البيض)، وبعدها أصبحت سجناً ومؤسّسة للأمراض النّفسيّة، ومصحّة للمُصابين بمرض السِّل، ومأوى للمشرَّدين وإصلاحية للفتيان، وسجن لتأهيل مُدمني الـمُخدّرات، وحديثاً طُوِّرت وتَعَصْرنَت، فأصبحت مكبّاً لموتى وباء "الكورونا".
"جزيرة القلب" تقع على بُعد مَرمى عصا من قلب نيويورك "النَّابض"، والفرق بينهما أنّ الجزيرة أصبحت مكبّاً لجثث النّفايات من الفقراء الـمُعوزين، لتَتَحوَّل الى حقْلٍ من المدافن الجماعيّة.
إنّها جزيرةُ أكوامٍ من الجثث التي لم يطالب بها أحد. إنّها مكبٌّ لنفايات من الجثث التي لا تستطيع عائلاتهم دفع ثمن الدّفن، ولم تكن لديها إمكانيّة تحمّل تكاليف الجنازات وطقوس الدّفن، وبناء أضرحة؛ فالأحياء كأمواتهم يعيشون ويموتون مشرّدين ومُعوزين ومجهولين، بينما تتولّى شركة معيّنة من قبل الامبراطورية، مقابل أجرٍ مُحترم، لكي تُشرف على عمليّة الدّفن غير الـمُــكلِفة، لأنّ عمّال الدَّفن هم من السّجناء من النّاس الـمُعوزين والفقراء، واللّصوص الفقراء، والمدمنين الفقراء الذين يدفعون بمجهودهم مقابل مأكلهم ومشربهم، فيقومون بعمليّة الدّفن لأشباههم من موتاهم.
****
هاجس مسرحيّ: راضي شحادة
هاجس كاريكاتيريّ: خليل أبو عرفة
[email protected]
أضف تعليق