شكلت القمة الثلاثية المصرية الأردنية الفلسطينية، التي استضافتها القاهرة اليوم الخميس، أحدث منصة لإعادة عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية إلى مسارها من جديد، بعد أن انتهت آخر جولات الحوار الفلسطيني الإسرائيلي، التي استمرت من 19 يوليو 2013، وحتى أبريل عام 2014، دون أي نتيجة، بعد نحو 10 أشهر متواصلة من المفاوضات التي قادها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جون كيري.
منذ هذا التاريخ لم يلتقِ المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون على طاولة المفاوضات، وهو ما ساهم في تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في الأراضي الفلسطينية، ولم يقطع هذا التدهور إلا معاهدة السلام التي وقعتها دولة الإمارات وإسرائيل «اتفاق إبراهيم» والتي نجم عنها إيقاف خطة الضم الإسرائيلية لأراضٍ فلسطينية.
وجاءت قرارات الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن، لتؤكد على أن هناك فرصة لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، من خلال إعادة الاتصال بين الولايات المتحدة والسلطة الوطنية الفلسطينية، بعد أن أوقفت السلطة تلك الاتصالات مع إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، كما أعادت واشنطن تقديم 235 مليون دولار للشعب الفلسطيني، تم تخصيص جزء منهم لتمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، إضافة إلى مساعدات اقتصادية أخرى بعد حرب غزة الأخيرة في مايو الماضي، ناهيك عن إعلان واشنطن استعدادها لافتتاح قنصلية أمريكية في القدس الشرقية، كما تعهدت واشنطن بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الأراضي الأمريكية، كل ذلك يعزز التوجه نحو استئناف مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فما هي الآليات الجديدة لاستئناف محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية؟ وكيف تعزز قمة القاهرة الثلاثية من دوافع كل الأطراف نحو وجود أرضية مشتركة وتجهيز «المسرح السياسي» لاستئناف مفاوضات السلام؟
ديناميكية أمريكية
ساهم التدخل الأمريكي - المصري الفاعل في إنهاء الحرب بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في مايو الماضي، في تدشين مسار سلام جديد يقوم على سلسلة من الإجراءات، تهدف في المرحلة الأولى إلى إذابة الجليد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتعزيز مناخ الثقة بينهما، وصولاً إلى استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وهو الهدف النهائي لقمة القاهرة الثلاثية، حيث سبق للرئيس عبدالفتاح السيسي أن استقبل مدير المخابرات الأمريكية، وليام بيرنز، في 15 أغسطس الماضي، الذي زار بعدها مباشرة إسرائيل والضفة الغربية، وأثمرت زيارة بيرنز لرام الله عن أول لقاء من نوعه خلال الـ10 سنوات الأخيرة، وهو لقاء الرئيس محمود عباس مع وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، حيث تم الاتفاق بين غانتس وعباس على حصول السلطة الوطنية الفلسطينية على قرض لتحسين حياة الفلسطينيين.
مسارات القاهرة
تعمل القاهرة على 4 مسارات متوازية بهدف استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وقيام الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، المسار الأول: هو تثبيت وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من خلال سعي القاهرة إلى هدنة طويلة الأمد بين الطرفين؛ حتى لا تتكرر الحروب بين قطاع غزة وإسرائيل.
ويتلخص المسار الثاني فيما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسي في شهر مايو الماضي، خلال زيارته إلى العاصمة الفرنسية باريس، عن مبادرة لإعادة إعمار قطاع غزة، وتقديم 500 مليون دولار في صندوق إعادة الإعمار.
ويتضمن المسار الثالث توحيد الصف الفلسطيني من خلال رعاية القاهرة لجميع جولات الحوار الفلسطيني منذ سيطرة حماس على قطاع غزة 2007، وهو الأمر الذي أسفر عن اتفاق الفصائل الفلسطينية على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، قبل صدور قرار من الرئيس أبو مازن بوقفها، بعد اعتراض إسرائيل على إجرائها داخل مدينة القدس، وتصر مصر ومعها دول عربية على ضرورة أن يكون هناك صوت فلسطيني واحد أمام طاولة المفاوضات.
المسار الرابع الذي تعمل عليه القاهرة مع شركائها في العالم العربي، هو السعي لاستئناف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والذي عملت عليه قمة القاهرة الثلاثية، اليوم الخميس.
خلاف حول الآليات
ما زالت الآلية التي يمكن من خلالها استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين تشكل العقبة الكبرى نحو البدء في تلك المباحثات، فهناك دعوة روسية لعقد لجنة رباعية تضم روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، تكون راعية لعملية السلام، وفق ما أكده المبعوث الخاص للخارجية الروسية لشؤون التسوية الشرق أوسطية، فلاديمير سافرونكوف، لكن لا يوجد رد إسرائيلي على هذه الخطوة حتى الآن.
الأطراف العربية من جانبها تدعو إلى ضرورة عقد مؤتمر دولي للسلام، يهدف إلى قيام دولة فلسطينية وفق جدول زمني محدد؛ حتى لا تطول المفاوضات، وهو ما تدعمه السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل كامل، حسب ما أعلن الرئيس محمود عباس في 31 ديسمبر الماضي، T فيما تتفق إسرائيل مع الولايات المتحدة حول ما يمكن تسميته «السلام الاقتصادي»، وهو ضرورة تحسين حياة المواطنين في غزة والضفة الغربية، وكانت هذه المسألة محور مناقشات المسؤولين الأمريكيين الذين التقى بهم الرئيس محمود عباس، بعد تولي الرئيس بايدن الحكم، وكان آخرهم مدير المخابرات المركزية الأمريكية، الذي شدد على ضرورة تعزيز دور السلطة الوطنية في قطاع غزة.
ويكتسب استئناف عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية أهمية كبرى في هذا التوقيت في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، ففي الإقليم العربي والشرق الأوسط لا يمكن إغفال محاولات تهدئة التوترات، وهو ما شاهده الجميع في مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، كما أن عالم ما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، سيكون مختلفاً كما كان قبله، لذلك كان إحياء عملية السلام، وتثبيت التهدئة في قطاع غزة، وإعادة إعمار القطاع، وتحقيق آمال الشعب الفلسطيني في الدولة المستقلة، هي محاور المناقشات بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، وفق المتحدث باسم الرئاسة المصرية، السفير بسام راضي.
[email protected]
أضف تعليق