بقلم: راضي شحادة
إذبح الخروف يا ابراهيم لأنّه ليس ابنَك اسحاق:
كلّما وضحت الصّورة لك، أيّة صورة، كلّما ازداد موقفك وضوحاً تجاهها.
صورة الخروف الذي تربّيه "على يديك" لسنوات تزيدك إمعاناً بكلّ حركة من حركاته، حتى تكاد صورته تحتلّ من مخيّلتك مكاناً هامّاً لدرجة أنّه يصعب عليك أنْ تذبحه أو تسمح لغيرك بذبحه أمامك، علماً بأنّ عدم ذبحه أمامك لا يمنع حقيقة أنّه مُعرَّض للذّبح في كل لحظة، فتكامُلُ صورته في ذهنك شبيهة الى حد بعيد بتكامل صورة المحبَّبَين لديك ابتداءً من أطفالك وأبناء عائلتك.
وكلّما قلّت الصّورة وضوحاً كلّما كنت بعيداً عن التّفاعل معها بكلّ حواسك، كلّما نقص تكاملها في ذهنك، فصورةُ الخروف الذي يذبحه اللحّام وتشتري من لحمه لتأكله تختلف عن صورة خروفك الذي ربَّيته على يديك، فتكامُل خروفِك بالنّسبة لك ينبع من الصُّوَر المرسومة في ذهنك عنه من خلال رؤيته يلعب ويأكل وينظر و"يمَعِّي" (يثغو)، وصورته في ذهن صاحبه الحقيقي هي الشّكل المتكامل للخروف قبل أنْ يُذبح، بينما نجد أنّ محبّتك لخروف اللحم تنبع من صورته الأخرى المتكاملة لاعتبارات أخرى، وهي تتلخّص في صورة لحمه الطّازج وطريقة تقطيع اللَّحّام له وطريقة تعليقه على العَلاّقة، وأطْيبُ تَكامُلٍ فيه هو ما تختاره من أعضائه المحبّبة لديك طعماً ونظراً، من الفخذة، من سلسلة الظّهر، من المخ..الخ، وشتّان ما بين حُبّنا للَحْم العَبور(الخروف الطِّفل) والخروف الطِّفل الذي يلعب بجوار بيتنا، فنحبّه لنغاشته ونشفق عليه وندلّله.
وهكذا تتكامل الصُّوَر في الذّهن لتتحوّل الى عقائد ومباديء، وكلّما اختلفت الصُّوَر تعددت العقائد وتنافرت وتعادت، فَلَيسَ أحبّ من صورة الإنسان المعذَّب وهو يتعذّب من وجهة نظر مُعَذِّبِه، وليس أكره من نفس الصّورة من وجهة نظر الإنسان الذي يكره التّعذيب، فالأوّل تكتمل الصّورة لديه في شكل معذَّبه وهو يتعذّب، والثّاني يراها في موت الطّاغية وزواله.
الصّورة المتكاملة في أذهاننا هي مجموع الصُّوَر التي تراكمت في مخيّلاتنا وأصبحت عقيدة ومبدأ، ومدى صحّة التّعاطف مع إحداها أكثر من غيرها هي قضيّة نسبيّة، وكلّ ذي خيال وعقيدة وذهن يتعصّب لصورة ما، وكلّما ازداد تكامل الصّورة كلّما ازداد تعصّبه لها.
وباستطاعة الإنسان الحديث العصري، بفضل وسائله الحديثة أنْ يُنمّي لدى الآخرين النّوع الذي يحبّذه من صور التّكامل، ويتجلّى هذا التّغيير في شخصيَّة الحاكم الذي تتوفّر لديه كل وسائل تنفيذ الصُّوَر التي يحبّذها لمحكوميه وبالشّكل المتكامل الذي يريده ويرتئيه مناسباً لذلك المحكوم، فهو يستطيع أنْ يجعل منه شخصيَّة ذليلة قنوعة طيّعة سطحيّة ساذجة..الخ. وإذا أراد له أنْ يكون على صورته، فذلك نابع من دافع حُبِّه لرؤية انعكاس صورة تكامله في الآخرين، ومن هنا تنبع راحته النّفسيّة، تماماً كما يحبّ أنْ تكون صورته في أبنائه، أو كما يتوهّم، أنْ يصل تكامله الى صورة التّكامل الإلهي.
وبالطّبع هذا الحاكم ليس بالضّرورة صورة لفرد، بل يمكن أنْ يكون صورة لنظام حُكم يُسَيِّره أفراد ويبنون عليه تصوّرهم للمفاهيم التي يحبّون أنْ ينفذوا صورهم التي يخطّطون لها بدهاءٍ من خلال نظامهم الذي يعطونه صفات مُعَنْوَنَة مِثل النّظام الحرّ أو الدّيمقراطي أو الملكي أو العادل.. الخ.
[email protected]
أضف تعليق