محمد سواعد- ابن الحميرة
تجتاح النفوس البشرية أمواج من الأفكار والمشاعر والتي تتقلب وتتبدل وتتغير مع تسارع وتيرة الأحداث التي تموج في عالم أصبح الثابت الوحيد فيه هو التغير، فما بين مشاعر الفرح بنعمة اقبلت أو الصبر على بلاء نزل، أو التعجب والحيرة مما يعج به مجتمعنا المحلي والعالمي من قتل وإبادة لكل معالم الحياة إلى الشعور بالمسؤولية والمساءلة القيمية والدينية والإنسانية عن واقع البشرية جمعاء، إلى هم الحياة اليومي وتربية الناشئة ليكونوا رجال المرحلة القادمة ويجتازوا بحارا متلاطمة الأمواج، أضف إلى كل ما تقدم التعامل مع الخصوم والأعداء والمتربصين الذين ينتظرون لحظة ضعف وعجز لإخراج الأمة من مسارح التاريخ وميادين الريادة.
كل هذه المعاني والمشاعر المختلطة والمتلاطمة في بحر النفس الإنسانية هي أشبه ما يكون بلوح صفيح يتقلب على النيران، فإذا اشتد لهيب النار انصهر الصفيح وإذا خفتت عاد إلى أصله.
ولعل واقع أمتنا العربية والإسلامية المعاصر لا يعدو إلا أن يكون شبيها بلوح صفيح يتقلب على النار بين اشتداد اللهيب وبروده، فعندما تبرد وتخفت ألسنة النيران تنسى الأمة همومها وتنهمك في شهواتها وتنغمس في دنياها وتغفل عما ينتظرها، وعندما يشتد أوار اللهيب تصيح الأمة من لظى النيران التي تلهب جنباتها وتلتهم خيراتها وتبدد ثرواتها، ومن المفارقات أن أعداء الأمة وخصومها باتوا يدركون تماما واقع الأمة وتقلباتها فهم اليوم من يتحكم بزمام النار اشتعالا أو خفوتا.
إن هذا الصفيح الملتهب من المشاعر الذاتية والجماعية والإنسانية يجب أن يقودنا نحن أبناء الأمة الخيّرة صاحبة الرسالة النيّرة إلى مسائلات قيمية مع أنفسنا وإلى صدق في التوجه نحو الحياة، هل دورنا فقط أن نكون صفيحا يلتهب في النيران! أم أننا اليوم ومع اشتداد اللهب من حولنا يجب أن نبدع في صياغة أنفسنا من جديد، فلوح الصفيح لديه من القدرة أن ينصهر في أتون الحمم ليصبح سائلا يعاد سكبه من جديد ويتكيف مع الحياة كيفما أرادت.
ولعل من نافلة القول أن ندرك أن الحياة متحركة متغيرة متجددة ومن تحجر على مواقف معينة أو تعصب لآراء وإن كانت صحيحة فلربما لا يستطيع اللحاق بالحياة وإدراكها فضلا عن إعادة تدويرها وتصميمها كما يحب، والحياة لا تنحني إلا للأقوياء وأصحاب المبادئ والرسالات فهم وحدهم من يملكون زمام المبادرة لتصميم الحياة كما يريدون.
مجتمعنا العربي اليوم يئن تحت مطارق قيود وأفكار صنعناها بأيدينا وصممناها نحن في مسيرة حياتنا، ولكن هذه الأفكار والقيم باتت تتحكم بنا وتفرض نفسها وشروطها المطلقة علينا حتى أصبحت سجنا لا نستطيع الخروج منه إلا بإرادة من حديد.
عندما وقف النبي صلى الله عليه وسلم يدعو العرب إلى الدعوة الجديدة والفكرة التي تجدد لهم الحياة، وقف الكثير منهم وتعصب لقيم وأفكار الآباء والأجداد ورفضوا قبول الفكرة الجديدة، بينما أدرك الفقراء والمستضعفون أن هذه الفكرة ستجعل منهم اسيادا على اسيادهم، وقادة للبشرية، وأن المضيّ والتجدد مع هذه الفكرة والدعوة سيرفع من شأنهم ويعلي قدرهم، فتلقفوا الفكرة وساروا بها مثل غريق وجد حبل النجاة، وإذا بهم بعد سنوات قلائل اسياد الأرض شرقا وغربا.
إن الصفيح الساخن الذي يلهب أوار الأمة العربية والإسلامية يجب أن يقودنا إلى مرحلة الإبداع الفكري والنفسي لنعاود صياغة أنفسنا لتتكيف مع واقع متجدد في عالم لا يقبل إلا التجدد في الفكر والمنهج والرأي، وكم من فكرة كانت عظيمة قبل سنوات مضت ولكن مع تجدد الحياة وقيمها باتت لا تساوي شيئا.
[email protected]
أضف تعليق