تضع المعركة أوزارها خلال يومين، وبالتأكيد قبل الثلاثاء الموعد الذي طلبته تل أبيب من إدارة بايدن قبل انعقاد مجلس الأمن. تركت المعركة عشرات من جثث الأطفال والمسنين ـ 130 شهيدا في غزة وشهيد في اللد وتسعة شهداء في الضفة ـ عدا الدمار في غزة والخراب في المنازل العربية في الداخل خاصة في المدن المختلطة.
حكاية هذه الحرب افتلعها نتنياهو الذي بات أطول رؤساء الوزارات مدة في منصبه، حيث تجاوز بن غوريون الذي حكم 13 سنة بينما نتنياهو يحكم منذ قرابة 16 سنة. وخاض المعركة الاخيرة لهدف واحد، وهو البقاء في الحكم لفترة أطول، ما يتيح له تشكيل حكومة جديدة بعد ان أفلس سياسيا وفشل قبل المعركة في تشكيل حكومة. وكان هدفه افتعال معركة لإحباط مساعي خصمه يائير لبيد في تشكيل حكومة من المنشقين عن الليكود برئاسة جدعون ساعر وحزب يمينا برئاسة نفتالي بينيت. وكان لبيد على وشك تقديم حكومته حتى تصاعدت الأحداث في القدس حول الحرم المقدسي وفي منطقة الشيخ جراح.
ويبدو أن نتنياهو رسم شخصيا سيناريو التصعيد في القدس، حيث أوعز لوزير الداخلية أمير روحانا، وهو من المخنثين، بتشديد قبضة الشرطة في القدس واستفزاز المصلين، بينما أطلق العنان للمستوطنين لإخلاء المنازل في الشيخ جراح بمشاركة من أعضاء كنيست من حلفاء نتنياهو، وهم حزب اليهودية الصهيونية الإرهابية، بل سمح لدعاة بناء الهيكل المزعوم بإجراء مسيرة هدفها اقتحام المسجد الأقصى بثلاثين ألف شخص. الوقفة البطولية للمقدسيين رفعت المعنويات الفلسطينية في كل مكان في الضفة وغزة والداخل، ووجدت حركة حماس نفسها مضطرة للمشاركة في إطلاق الصواريخ تحت ضغط الشارع ولحسابات داخلية سياسية، فبعد أن كانت تقمع المسيرات التضامنية مع القدس بدأت الجهاد في توجيه صليات متفرقة من الصواريخ، ثم واكبتها حماس والفصائل الأخرى. ولعل الرد الإسرائيلي المكثف جاء لتضخيم المعركة بهدف دفع المقاومة لإلقاء كل ثقلها في النزال، وهذا ما حدث.
نتنياهو أراد التغطية على أحداث القدس التي حظيت بتعاطف دولي، ولما طلب منه الأمريكيون في البدء التهدئة في القدس رفض، وقال إنه مستعد للتهدئة مع غزة، ومع استفحال إطلاق الصواريخ طلب مهلة من الأمريكيين لإكمال مهمته في غزة. ننتياهو ثعلب ماكر سياسيا وداهية، فهو يدرك أن القدس هي العصب الحساس الذي يستفز مشاعر الفلسطينيين أكثر من غيره. ففي سنة 1996 عندما كان رئيسا للوزراء عمد الى افتتاح نفق تحت المسجد الأقصى، ما أدى إلى هبة فلسطينية بدأت سلمية وقمعها جيش الاحتلال بالنار، وأسفرت عن استشهاد 63 فلسطينيا أغلبهم من قوات الأمن وخسر الاحتلال عشرات الجنود. لم يكن هدف نتتياهو فتح نفق، بل تبرير تنصله من اتفاق أوسلو، وهو ما حدث إبان فترة حكمه تلك. ويعرف نتنياهو أيضا أن انتفاضة الأقصى جاءت بعد زيارة سيده ارييل شارون للمسجد الأقصى، وكلنا نذكر أن الرئيس الراحل عرفات توجه شخصيا إلى بيت إيهود باراك في كوخاب يائير على خط الهدنة شمال قلقيلية، وطلب إلغاء زيارة شارون للأقصى، لكن الأخير رفض فكانت انتفاضة الأقصى التي أنهت أوسلو فعليا.
نتنياهو من افتعاله الأحداث الأخيرة أراد أولا إحباط تشكيل حكومة من معارضيه، فبالنسبة إليه فإن خروجه من سدة الحكم يعني ذهابه المؤكد إلى السجن في قضايا الفساد. وكان هدفه اقناع حزب يمينا بالعودة إليه، وهو ما يحدث الآن، واستعادة بعض المنشقين عنه من معسكر جدعون ساعر، وبالتالي سيتمكن من تشكيل حكومة بدعم خارجي من المتنطع الإخواني منصور عباس أو بدونه، فلربما يقنع وزير الحرب جانتس في البقاء في الحكومة لاحقا .
والهدف الأخير لنتياهو هو استفزاز عرب 48، ما أدى إلى قمع الشرطة لهم بعنف واستعان نتنياهو بنشطاء الليكود والأحزاب الاستيطانية لمهاجمة العرب فهو يريد تعميق الهوة والقضاءعلى التعايش مع العرب تمهيدا لرؤية حليفه من الصهيونية الدينية الإرهابي سموريتش الذي يجاهر بضرورة ترحيل عرب 48 وتكثيف الاستيطان في القدس. نتنياهو خاض معركته الأخيرة للبقاء وصولا الى لقبه المفضل ملك إسرائيل وهو غير معني لا بحياة اليهود أو العرب، بل بحياته مثل نيرون الذي استمتع بحرق روما. وهذه حكاية معركته من طقطق أو طخ طخ الى سلام عليكم.
[email protected]
أضف تعليق