ماذا تقصّ لنا المعطيات حول نسب التشغيل ما قبل وما بعد الازمة؟
بعدَ الارتفاع الملحوظ الذي شهدناه في نسب التشغيل لدى فئة الرجال العرب منذ عام ٢٠٠٣، كما لدى فئات اخرى نتيجة لخطوات وسياسات حكومية عملت على تعزيز الخروج للعمل، من خلال تقليص مخصصات البطالة وتقليص الضرائب لذوي الاجور المنخفضة وقوانين الضريبة السالبة وغيره من خطوات، نشهد اليوم تغييرا في صورة تشغيل الرجال العرب.
فوفقا لمعطيات لجنة الاحصائيات المركزية ازدادت نسب التشغيل لدى الرجال العرب من ٧٤% في عام ٢٠١١ الى ٧٨% في اواخر عام ٢٠١٩، وكدنا نقول اننا وصلنا الى استقرار معين من ناحية دمج هذه الفئة في سوق العمل. جاءت جائحة الكورونا بابعادها وتاثيراتها لتقضّ مضاجعنا من جديد وتضع امام اصحاب القرار والعاملين في ميدان تطوير مشاريع التشغيل تحدٍ اخر الا وهو كيفيّة اعادة الرجال العرب الى دائرة العمل من جديد. خاصة بعد ان انخفضت نسب التشغيل لدى تلك الفئة ووصلت الى حوالي ٧١% في اواخر العام ٢٠٢٠.
ما هي التحديات السابقة في مجال تشغيل الرجال؟
في الاعوام الاخيرة، وبعد ان اقتربت كثيرا نسبة تشغيل الرجال العرب من الوصول الى الهدف الذي نصتّه اهداف التشغيل ٢٠٢٠ الحكومية، بدأت التوجهات لتشغيل الرجال العرب تختلف وتتمركز حول تحسين جودة الاعمال والوظائف التي يندمج بها الرجال العرب وحول تقليص فجوات الأجور. في هذا السياق تشير المعطيات الى انو فوارق الاجور هي كبيرة، فعلى سبيل المثال معدل الاجر للساعة لدى رجل عربي في عام ٢٠١٨، كان ٤٥.٥ شيكل بينما لدى الرجل اليهودي كان معدل الاجر للساعة حوالي ٨١ شيكل. يعود ذلك الى حد ما الى التمثيل الكبير نسبيا للرجال العرب في وظائف ذات جودة قليلة في قطاعات وفروع اقتصادية ذات انتاجية منخفضة. مثلا في فروع البناء نسبة تمثيل الرجال العرب هي ١٧%، بينما هي ٣% لدى الرجال اليهود في ذات القطاع؛ نسبة تمثيل الرجال العرب في قطاع التجارة هي ١٤% بينما هي ١١% لدى الرجال اليهود.
قضية اخرى شغلت الاقتصاديين واصحاب القرار بما يتعلق بتشغيل الرجال العرب كانت قضية الخروج المبكّر من سوق العمل او ما يسمى ب"التقاعد المبكر"، حيث تشير المعطيات الى ان فوارق نسب التشغيل بين الرجال العرب وغير العرب في جيل ٤٥ وما فوق كبيرة جدا.... ويعود ذلك ويرتبط ارتباطا مباشرا بجودة العمل، وبكون الرجال يعملون في وظائف تطلب مهارات جسدية قد تصعب عليهم الاستمرار في سوق العمل، وكذلك لكونهم ذوي حاجة لتطوير مهارات تكنولوجية ومهنية التي من شانها اتاحة الفرص امامهم للاستمرار والتقدم في العمل.
ماذل احدثت ازمة الكورونا؟ عشرة خطوات الى الخلف
الصعوبات التشغيلية في العام الاخير، كما ذكر سابقا زادت من حدّة وعمق التحديات.. واضاف الى تلك التحديات (فوارق الاجور، الاندماج في وظائف ذات جودة منخفضة، نقص المهارات المهنية والتكنولوجية والخروج المبكر من سوق العمل) تحدي أولّي كبير جدا وهو تحدي ارجاع العاطلين الجدد عن العمل الى دائرة العمل.
القطاعات اللتي تضررت بشكل خاص وقامت باخراج موظيفها الى عطل غير مدفوعة الاجر هي القطاعات ذات الانتاجية المنخفضة، كقطاعات الخدمات، الصناعة التقليدية، الفندقة، السياحة، البناء وغيره..وهناك طبعا، تمثيل الرجال العرب يعتبر كبير. بكلماتٍ اخرى، قائمة العاطلين الجدد عن العمل، بسبب جائحة الكورونا مليئة بموظفين وعاملين سابقين من فئة الرجال العرب ذوي المهارات الاولية والاجور المنخفضة.
سوق العمل في مرحلة انتعاش جديد..اين الرجال العرب من ذاك الانتعاش؟
للأسف الصورة ليست وردية، ففي حين تقول المؤشرات الاقتصادية ان سوق العمل في طريق انتعاشة سيعيد معه اكثر من ٨٥% من العاطلين الذين دخلوا دائرة البطالة بشكل مؤقت بسبب الكورونا، يبدو ان الرجال العرب سيبقون ضمن قائمة العاطلين عن العمل بل وهناك خطورة بأنهم من الممكن ان يدخلوا دائرة البطالة المزمنة.
يعود ذلك الى عدة اسباب، من بينها وربما اهمها نقص المهارات المهنية والتشغيلة، نقص التأهيل المهني الذي يصعب عليهم التنافس في سوق العمل من جديد.
قد تحدث ظاهرة اخرى خطرة ايضا، الا وهي اضطرارهم للرجوع لدائرة العمل بوظائف جزئية وربما اقل جودة واجر من تلك التي تواجدوا بها سابقا ولذلك اسقاطات كبيرة على جوانب اجتماعية واقتصادية تخصهم وتخص المجتمع العربي بشكل عام.
اية حلول موجودة وايّة حلول هنالك حاجة اليها من اجل التعامل مع تلك الأزمة؟
المشاريع الحكومية الكبرى المتواجدة ترتكز اليوم على تسهيل وتمويل دورات تأهيل مهنية من اجل رفع الكفاءات المهنية لدى الفئات المتواجدة في دائرة البطالة المؤقتة والمزمنة، بما في ذلك فئة الرجال العرب. هنالك العديد من المسالك والتعزيزات من اجل الانضمام لدورات التأهيل المختلفة، عن طريق المشغلين، مراكز التشغيل (ريان في المجتمع العربي)، مكاتب العمل وغيره. هذه هي احدى الحلول المهمة، ومن المهم جدا اتاحتها لدى المجتمع العربي، من ناحية مضامين ولغة وتسويق وما الى ذلك.. ومن المهم ايضا زيادة الوعي والمعلومات حول الحقوق المختلفة في هذا المجال، المعرفة حول انواع التأهيلات المختلفة، المجالات المطلوبة ورفع وزيادة الوعي والدافع لدى فئات الهدف، للانضمام ولاستخدام تلك الخدمات.
نوع اخر من الحلول، اعتقد انه من الممكن جدا تنفيذه هو تعزيز مادي لتشجيع الرجوع لسوق العمل، قد يكون للمشغل الذي سيقوم بدمج فئات معينة وقد يكون كاكمال دخل للباحث عن العمل الذي يقرر الرجوع للعمل. في حالة تنفيذ حلول كتلك من المهم ان يكون تعزيز خاص معد لفئة الرجال العرب بشكل محدد، كفئة في خطورة البقاء خارج سوق العمل وبحاجة لمسارات تعزيز واهداف محددة.
نوع اخر من الحلول، من المهم طرحه الا وهو بناء مسارات تقدم للعمال والموظفين العرب -الرجال- الذين قد يرجعون لدائرة العمل بظروف منخفضة (اجر منخفض، وظائف ابتدائية وغيره). من المهم بناء خطط تساعدهم بشكل مدروس على الانتقال خلال فترة معينة من تلك الوظائف الى وظائف اعلى باجور افضل وربما الانتقال من قطاعات ذات انتاجية منخفضة الى قطاعات اكثر ثباتا وذات انتاجية عالية.
واخيرا من المهم الموازنة بين الحديث والتخطيط لمشاريع دمج/ ارجاع الرجال العرب الى سوق العمل وبين الحديث والتخطيط لمشاريع تقليص فجوات/ تطوير مهارات وبناء مسارات للتقدم في العمل.
كل ذلك من اجل ضمان الرجوع الى دائرة العمل ذو الجودة وضمان عدم الدخول في دائرة الفقر.
دعوة لخطوة: كرجل عربي خارج سوق العمل ماذا علي ان افعل؟
١. رفع الهمم، الطاقات الذاتية والدافع الداخلي للرجوع وسريعا لدائرة العمل
٢. زيادة الاتطلاع على الفرص المتاحة لتعزيز القدرات والمهارات المهنية والتشغيلية، من خلال جمع المعلومات عبر الانترنت، التوجه لمكاتب العمل، مراكز التشغيل في الاماكن المجاورة والسؤال عن الخدمات المتاحة والمناسبة.
٣. في مرحلة اختيار مسار تطوير المهارات من خلال الانضمام لورشات او دورات تأهيل. ليكن القرار مبني على استشارة مهنية وجمع معلومات حول التاهيل الانسب، الاكثر جودة، في المؤسسة الاكثر جودة، في مجال يفي بمتطلبات المشغلين وعليه طلب. لا تنس، الانضمام لورشات تطوير مهارات لينة، ومهارات لغة عبرية الى جانب دورة التأهيل الاساسية.
٤. في حال اختيار مسار الانضمام السريع لسوق العمل، من خلال اندماج بوظيفة مؤقتة جديدة او الرجوع الى وظيفة سابقة، من المهم التوجه لمساعدة مهنية لدى المشغل ذاته، او مراكز تشغيل او مختصين في المجال من اجل بناء خطة خاصة بك تساعدك على تقييم وضعك المهني وبناء مسار للتقدم (مثلا تعليم بشكل مواز للعمل، انضمام لورشات تاهيل بشكل مواز، اتفاقية مع المشغل حول مسار تقدم خلال فترة محددة)
٥. واخيرا.. بينما تراودك الافكار بالبقاء لفترة "قليلة" اخرى خارج سوق العمل.. معتمدا على مخصصات البطالة الحكومية، ذكّر نفسك بانها مخصصات مؤقتة وانك بحاجة لزيادة دخلك بشكل أكبر وذكر نفسك بقيمة العمل وما يضيفه الى ذاتك ومجتمعك.
[email protected]
أضف تعليق