منذ نعومة أظفاري، ومنذ عرفته لم أكُنْ أُحبُّه. لم أعرف السَّبب بالضّبط، ولكنّني، ولأنّني، ومن باب حبّ الاستطلاع وأنا في طفولتي وفتوّتي، كنت أحشُر نفسي بين جموع المستقبلين له عندما كان يزور قريتنا الجليليّة "المغار"، وفقط عندها كنت أنفُر من التقرّب إليه خوفاً من أن يمدّ ظاهرَ كفّ يده باتّجاهي كي أقبّلها. لم أكن متيقّناً من السَّبب، لأنّني لم أكن في حينه واعياً لا في السّياسة ولا في الوطنيّة ولا فيما يخص النَّكبة ولا في الاحتلال، ولم أكن قد تعرّفت الى شخصية المطران الوطني السّابق له المطران "حجّار". ربّما أصابني نفور من "الحكيم" عندما كنت أرى جعصته المتنفّجة بينما كان يمدّ يده لمن يطمع في السّلام عليه، وبدلاً من سلام المصافحة كنت أراهم ينحنون له ويقبّلون ظاهر كفّ يده الممدودة المستعطفة لنيل القداسة من ممثّل الله على الأرض.
لم أكن واعياً فيما إذا كان الأمر نابعاً عن إيمان أهل قريتنا المقبّلين ليده بأنّهم بالسّماح لهم بفعل ذلك، إنّما هو نابع عن التّبارك بقدسيّتة، بينما هو كان يبدو من لغته الجسديّة ينفّذ حبَّه وميله لاعترافهم بسلطته وتكبّره. ربما كان ما أفهمونا عن "قداسة" السيّد المسيح هو السّبب في نفوري من هكذا تصرّف من "قداسة" المطران "حكيم"، لأنّ السّيد المسيح كان ينحني الى أسفل أجساد محبّيه لكي يغسل لهم أقدامهم ويقبّلها، عرفاناً منه بمعنى التّواضع واحترام الانسان.
ولكنّني عندما أصبحت أفهم قليلا في السياسة والوطنيّة، وعندما بدأت أسمع أنّ المطران "جوارجيوس حكيم" كان يبيع أراضي وقف المسيحيّين للسّلطات الاسرائيليّة، أيقنت أنّه كان يحشُر الدّين في "السياسة"، التي هي ضدّ "الوطنيّة". مناداته بعدم تدخّل الكنيسة في السّياسة كان معناه محاربة السّياسة الوطنيّة او الوطنيّة السياسية، والتحريض ضدّ النّاس الوطنيّين، وتشجيعه السّياسة الدّينية المقرّبة من السّلطة الاسرائيليّة، ليس لأنّ النّاس الوطنيّين كانوا ضدّ الدين، فهم في الحقيقة لم يعادوا الدّين، بل كانوا يعادون سياسة الاحتلال والقتل والتَّهجير وسلب الأوطان. لا بل كان ينتقم من النّاس الوطنيّين بأَنِ استعمل أسلوب "الحرمان الـمُطراني" الشّبيه بــ"الحرمان البابوي" بأنّه كان يحرمهم من القيام بمراسيم عقد القران والزّواج بحجّة أنّ مبادئهم مناقضة لتعاليم الكنيسة.
ولاحقاً عندما تعرّفت الى شخصيّة قَداسة المطران "هيلاريون كبوتشي"، أصبح لديّ المزيد من المعرفة بين الفارق الكبير بين مطران وطني ومطران محارب للوطنيّة. كم هو خطير الدّين عندما يكون وسيلة للتقلّب واللّعب بين الوطني والسّياسي، في زمن الانهيارات الوطنيّة.
[email protected]
أضف تعليق