من يدعو لبناء مجتمع حضاريّ راق وموحّد ويؤمن بالقيم الإنسانيّة والإنسان أوّلا، ويدعو للإصلاح والتوعية، وينبذ مظاهر وأشكال العنف والتعصّب، ويؤمن بحرّيّة التعبير والنقد البنّاء المبنيّ على حقائق وفصل الدين عن السياسة، ويحترم الأديان السماويّة كافّة، لا شكّ في أنّه إنسان واعٍ، مثقف، ومتّزن.
ما ذكر ينطبق جملة وتفصيلا على الكاتب الشفاعمريّ المربّي إلياس نصرالله الذي أصدر هذه الأيّام باكورة نتاجه الأوّل "نحو مجتمع عقلانيّ"، وقد زارني هذا الأسبوع في مكتبي وأهداني إيّاه مشكورا.
يدعو الكاتب من خلاله لبناء مجتمع حضاريّ محاولا تشييد مدراجا يكون بمثابة نقطة انطلاق ليحلّق نحو مستقبل أفضل ومواجهة التحدّيات والأزمات والمشاكل الداخليّة والخارجيّة، والسبل الكفيلة لوضع حدّ لهذه المشاهد والأوضاع المزرية والمقلقة التي تعصف بالشعب العربيّ عامّة والفلسطينيّ تحديدا، وسعيه منقطع النظير لتحقيق العدالة الاجتماعيّة بالإضافة إلى تصحيح التاريخ الذي زوّر، على حدّ تعبيره، على يد فئة منتفعة تخدم مصالحها الشخصيّة.
برزت هذه القضايا المستعصية والمصيريّة في تضاعيف الكتاب، وتطرّق إليها الكاتب بكلّ
صراحة وشفافية، إذ يقول تحت عنوان "الانتهازيّة الطائفيّة والحمائليّة في الميزان":
"هذا العالم، ونحن على أبواب انتخابات محلّيّة وربّما برلمانيّة، نشهد استمرار تفاقم ظواهر سلبيّة مثل العنف بأشكاله، التوتّر، والتراشق الطائفيّ والانقسامات الحزبيّة، ممّا يؤدّي لانعدام القواسم الوطنيّة المشتركة، الأمر الذي يخفي في طيّاته مخاطر وجوديّة ملموسة تتهدّد مستقبل مجتمعنا. إنّ أخطر ورشة عمل في مجتمعنا هي تسييس الدين الذي تدعمه أنظمة رجعيّة ظلاميّة متواطئة مع دول إمبرياليّة يجمع بينها نهب وتبذير موارد وثروات بلادها. هل سينجح المتلاعبون بالعواطف، تجّار المبادئ والعقائد المتسربلون بقشور التديّن بالتفوّق على العقلانيّة والمصلحة العامّة والتمسّك بمقولة "الدين لله والوطن للجميع".
وعن تردّي وتفاقم ظاهرة العنف والفساد في مجتمعنا وتحت عنوان "كفى قتلا واحترابا" يقول: "نلمس، كما تشير وتؤكّد الإحصائيّات وأحداث العنف المتواصلة يوميًّا انتشار وتفشّي ظاهرة العنف وتصعيد كلّ أشكاله في مجتمعنا العربيّ. لقد أصبحت ظاهرة مقلقة وخطرة وتمسّ بالأمن والأمان في حياتنا اليوميّة، إنّها آفة هدّامة، فمن الضروريّ تقصّي جذورها
والبحث عن محرّكاتها وأسبابها.
ترتبط هذه الظاهرة بعوامل تتحمّل مسؤوليّتها السلطة ومؤسّسات الدولة من ناحية، وكذلك القيادات والمجموعات والأفراد في المجتمع العربيّ من ناحية أخرى، وبرأيي تعود جذور هذه الظاهرة إلى تغيّرات جسيمة قسريّة مبتورة وسريعة في واقعنا الذي نشأ في أعقاب النكبة، أقصد تحوّلنا من أغلبيّة إلى أقلّيّة ترضخ للحكم العسكريّ وأنظمة الطوارئ، أقلّيّة فلاحيّة غير متعلّمة، جرت مصادرة حصّة الأسد من أراضيها التي شكّلت مصدر معيشتها الأساسيّ".
يقع الكتاب في 217 صفحة من الحجم فوق المتوسّط، صدر عن دار النشر للدراسات والنشر رام الله، كتب مقدّمة الكتاب د محمّد هيبي، أمّا لوحة الغلاف فهي للفنان زاهد حرش.
أبارك للكاتب هذا الإصدار ونتمنّى له الاستمرار بعطائه ودعم الحركة الأدبيّة والثقافيّة.
[email protected]
أضف تعليق