يؤرَّخ لثورات شعوب العالم الثالث الحديثة، في المنطقة العربية والقارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، انطلاقاً من الثورة المصرية التي قادها الرئيس جمال عبد الناصر في تموز 1952، عندما أسست وساهمت مباشرة في دعم حركات التحرر لهذه الشعوب التي سرعان ما نجحت ثوراتها في التحرر من ربقة الاستعمار، إلاّ أنّ العديد من هذه الثورات لم تتمكن من الحصول على الاستقلال الفعلي والتحلل من تركة الاستعمار الاقتصادي والاجتماعي، ونجحت شكلاً في رفع علَمها وصياغة نشيدها الوطني دونما أن تستقل فعلياً وعملياً من خلال السيطرة على اقتصادها وعلاقاتها السياسية، لذلك كان تأميم قناة السويس النموذج العملي لربط الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي والاجتماعي.
بعد أربع سنوات من الثورة المصرية وتحديداً في 26 تموز 1956، أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، شركة مساهمة مصرية، وهي الشركة التي احتكرت امتياز القناة والسيطرة عليها منذ حفرها عام 1869، ولم تكن الدولة المصرية تشارك في إدارتها، وبينما كانت إيرادات القناة في ذلك الوقت 39 مليون جنيه إسترليني كانت حصة مصر منها مليوناً واحداً، ويذهب لنفقات العرش الملكي.
إثر إعلان التأميم رفضته كل من بريطانيا وفرنسا وقامتا بسحب المرشدين والفنيين الأجانب في محاولة يائسة لإظهار عدم قدرة المصريين على إدارة القناة، إلاّ أنّ ما حدث أن عبد الناصر كان قد احتاط لهذا الأمر وأخذه بالاعتبار، فبعد قرار التأميم وعلى الفور شقت أوّل قافلة للمرشدين المصريين طريقها عبر القناة في 15 أيلول 1956، عندما عبرت القناة 42 سفينة بنجاح دون أي مشاكل أو أخطاء، ومنذ ذلك الوقت وحتى بعد 75 عاماً نشهد هذه الأيام نجاح الإرادة المصرية وإدارتها للقناة عبر المرشدين والفنيين من الإبقاء على هذا الممر الدولي الحيوي قادراً على خدمة التجارة الدولية.
استعادة هذا التاريخ ضرورية كي نتذكر أنّ مع التحرر من ربقة الاستغلال الفرنسي البريطاني، وبعد فشل الرهان على عدم قدرة المرشدين والفنيين المصريين في إدارة القناة، فإن ذلك استدعى العدوان الثلاثي على مصر في تشرين الأول 1956، بعد أن انضمت إسرائيل إلى الدولتين الاستعماريتين، إلاّ أنّ هذا العدوان فشل في تحقيق أهدافه مع ذلك، فقد استمر العدوان بأشكال أخرى من بينها محاولة إيجاد بدائل لقناة السويس وهي المحاولات التي لم تتوقف منذ ذلك الفشل حتى اليوم، إلاّ أنه لوحظ في الآونة الأخيرة أنه تم استعادة ملفات هذه البدائل من جديد بعد أن علقت السفينة أيفر غيفن في عرض القناة، ما أدى إلى إغلاقها، ورغم نجاح الأطقم المصرية في تعويم السفينة ما مهّد لإعادة الملاحة في الممر الدولي إلاّ أن ذلك لم يمنع أطرافاً عديدة من إعادة الحياة لملفات البدائل من جديد.
ولعل أوّل وأخطر هذه البدائل الخطة الإسرائيلية لحفر قناة بين ميناء أسدود وميناء إيلات، وخطة سكة حديدية للنقل البري الاستراتيجي، إلاّ أن هذين البديلين تم إحالتهما إلى الأرشيف لأسباب عديدة، من بينها عدم توفر مستثمرين جديين لتمويل تنفيذهما، ولكن مع اتفاقات أبراهام تم استعادتهما برفقة بدائل أخرى مع توفر تمويل خليجي عربي إثر اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، إضافة إلى تمويل إماراتي لمشروع إنشاء خط أنابيب لنقل النفط عبر السعودية وصولاً إلى الموانئ الإسرائيلية ومنها إلى العالم، وذلك حسب ما جاء في صحيفة غلوبس الإسرائيلية وفصلية فورن بوليسي الأميركية.
[email protected]
أضف تعليق