للمرة الرابعة خلال عامين يتبيّن من خلال نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة، أنّ ما يمنع تشكيل الحكومة بعد كل انتخابات هو اليمين الإسرائيلي نفسه وذلك لتمسّكه بزعامة نتنياهو له باعتباره مرشحه الوحيد لرئاسة الحكومة، ولو، فرضاً، تخلى اليمين الإسرائيلي عن هذا التوجه لأصبح بالإمكان بالتأكيد تشكيل اليمين لهذه الحكومة بزعامة جديدة خاصة وأنّه حظي بأكثر من ثلثي مقاعد الكنيست بمن هم مع وضد نتنياهو، مع ملاحظة أن إمكانية فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة القادمة يعود بدرجة رئيسة إلى معارضة أحزاب اليمين في الصف المقابل له، مثل الأحزاب التي يقودها كل من بينيت وليبرمان وساعر وحتى غانتس، ذلك أنّ مشكلة هذه الأحزاب إزاء تشكيل حكومة يمينية تتعلق بشخص نتنياهو نفسه كونها كلها تكاد تتفق إزاء الموقف من الفلسطينيين وقضيتهم، إذ لم تعد للتباينات الداخلية بين اليمين الديني والآخر الليبرالي وكذلك القومي، أي أهمية بالمقارنة مع التباينات إزاء الموقف من نتنياهو والتي من شأنها أن تُشكّل عقبة أساسية أمام قدرته على تشكيل الحكومة، ما سيؤدي في هذه الحال إلى التوجه لانتخابات خامسة على الأرجح.
مع ذلك، تحاول الأحزاب اليمينية من خارج الكتلة الصلبة التي تدعم نتنياهو زعزعة تمسك هذا التكتل بزعامته ورئاسته للحكومة من خلال تكتيكات من شأنها أزاحته ومنعه قانونياً من تشكيل الحكومة حتى لو توفر له عدد المقاعد المطلوبة، وذلك بالعودة مجدداً إلى الدعوة إلى سن قانون يمنع متهماً بمخالفات جنائية من تشكيل الحكومة وفي حال نجاح هذا المسعى تصبح هناك إمكانية لترشيح زعامة أخرى لتشكيل الحكومة بما يمنع من التوجه إلى انتخابات تشريعية خامسة، إلاّ أنّ ذلك تطلب وقبل كل شيء وخطوة لا بد منها عزل رئيس الكنيست الحالي ياريف ليفين الذي سبق أن امتنع عن دعوة الهيئة العامة للكنيست للانعقاد وتشكيل اللجنة المنظمة الخاصة ببدء عملية تشريعية تهدف إلى سن هذا القانون، وتبدو إمكانيات عزل ليفين وانتخاب رئيس جديد للكنيست بدلاً منه واعدة في الظرف الراهن، بعد تراجع بعض الذين عارضوا ذلك في السابق عن موقفهم، خاصة الرجل الثاني في حزب ساعر الوزير السابق زئيف الكين الذي صرّح بأنَ حزبه سيعيد النظر ويدرس إمكانية سن قانون يمنع نتنياهو من تشكيل الحكومة كونه يحاكم بتهم جنائية، بعد أن عارض ذلك في السابق باعتبار أنّ القانون موجه شخصياً ضد نتنياهو حصراً، إلاّ أن الوضع السياسي الراهن ونتائج الانتخابات التشريعية الرابعة يحتمان دراسة الأمر مجدداً خشية الانزلاق نحو انتخابات تشريعية خامسة.
إنّ من شأن نجاح هذا التوجه لسن مثل هذا القانون أن يمنع نتنياهو من تشكيل الحكومة وبما يفتح المجال أمام اليمين الإسرائيلي لإزاحة نتنياهو والخلاف بشأنه من الصورة التي هيمنت على العمل السياسي والحزبي في إسرائيل وأدخلته في ساحة انتخابات متلاحقة جعلت من نتنياهو العنوان الوحيد لها، وباتت أزمة الحكم في إسرائيل هي أزمة شخص يسمى نتنياهو من وجهة نظر مختلف الأطراف الإسرائيلية.
إلاّ أن سن مثل هذا القانون يصطدم بقدرة نتنياهو على اختراق بعض الأحزاب والكتل الحزبية من خلال تقديم الوعود والمنح والرشى ودفع بعض الأعضاء للانشقاق عن أحزابهم بما يمنع توجه بعض الأحزاب إلى سن هذا القانون وتمكينه من الحصول على المقاعد المطلوبة لتشكيل الحكومة، وفي تقديرنا أنّ حراك نتنياهو في الأيام القادمة سينصب تحديداً على الوصول إلى هذا الهدف.
مع ذلك، فحتى لو نجح نتنياهو في تشكيل مثل هذه الحكومة فإنها قد لا تستمر طويلا وستخضع دائما لابتزاز كل عضو فيها وكل حزب في الائتلاف الحكومي، وبذلك يكون كل عضو في هذا الائتلاف وكأنه رئيس للحكومة لأن باستطاعته إسقاط الحكومة وقتما يشاء، وبحيث يظل رئيس الحكومة تحت ضغط وابتزاز كل عضوٍ اعتمد عليه للوصول إلى الأصوات المطلوبة لتشكيل الحكومة وهذا يعني أنّ تشكيل الحكومة بحد ذاته لا يعني عدم التوجه لاحقاً إلى انتخابات تشريعية خامسة.
[email protected]
أضف تعليق