تمضي المسيرة الفلسطينية نحو الانتخابات التشريعية الثالثة، منذ تأسيس السلطة الفلسطينية قدماً، رغم المحاولات الإسرائيلية من تحت الطاولة، ودون الإعلان على الملأ لمنعها أو إعاقتها، وذلك في ظل توافق فلسطيني داخلي غير مسبوق منذ أكثر من عقدين من السنين مضيا من قبل، وقد انعكس ذلك حماساً وتفاؤلاً على عموم الشعب الفلسطيني التواق لإنهاء الانقسام والوحدة الداخلية، فبعد الجولة الأولى من حوارات القاهرة التي جرت في شهر شباط الماضي، اندفعت جموع المواطنين للتسجيل في لجان الانتخابات، فيما ترافق مع الجولة الثانية التي عقدت قبل أيام اندفاع في إعلان العديد من الشخصيات والتجمعات التي كانت قد انطوت على ذاتها خلال سنين مضت، عن تقدمها للانخراط في المعترك الانتخابي القادم.
والحقيقة أن الشعب الفلسطيني ومنذ ما قبل نكبة العام 48 وهو يعتبر أن أهم أمرين بالنسبة له هما: البندقية التي اعتبرت منذ بدء اعتداءات العصابات الصهيونية على أرضه، كذلك وحدته الوطنية الداخلية، لذا فإن كل محاولات الانشقاق الداخلي كان مصيرها الفشل على مر تاريخه من الكفاح، وهو دائماً يفضل حالة الإجماع مهما كانت نتائجها، رغم وجود الاختلاف الطبيعي، وهكذا بقيت الوحدة الوطنية أهم منجز يحققه، لا يرى بديلا عنها من أجل الظفر بالتحرر والاستقلال، ويعتبر كل مواطن فلسطيني مهما كان معتقده أو فكره أو محل إقامته وطنياً فلسطينياً، لذا تمتع الوحدويون من أبنائه دائماً بحب الناس واحترامهم، ولهذا السبب بالضبط تأهلت حركة فتح منذ بداية ظهورها للموقع القيادي في صفوف الشعب.
غدا تبدأ لجنة الانتخابات المركزية في استقبال المترشحين لانتخابات المجلس التشريعي الثالث، حيث أعلنت مجموعات مستقلة، أي لا تنتمي للفصائل الفلسطينية عن تشكيل قوائم خاصة بها، لفت الانتباه منها، قائمة يتحدث عنها ناصر القدوة الذي فُصل من حركة فتح، كذلك ما تحدث به رئيس الحكومة السابق سلام فياض عن قائمة خاصة به، فيما أعلنت شخصيات من رجال الأعمال في الخليل عن إعداد قائمة خاصة أيضاً.
أما الفصائل فلم تنته بعد من إعداد قوائمها الخاصة بها، وإن كان مقترح تشكيل قائمة مشتركة أو موحدة بين حركتي فتح وحماس، ما زال أحد أهم الاقتراحات التي تثير الاهتمام لما ينطوي عليه من أهمية خاصة بمجرى العملية الانتخابية من جهة، ومن جهة ثانية لما ينطوي عليه من أهمية في حسم النتائج المرتقبة وغير المتوقعة تماما حتى اللحظة.
بالطبع هناك من يعارض الفكرة لمجرد طرحها، إن كان بشكل غير صريح من بين أوساط الحركتين أولاً، وثانياً من بين أوساط الفصائل بدرجة أكثر سفوراً، وثالثاً بشكل أشد سفوراً بين أوساط المستقلين، خاصة الذين ظهروا وتحققوا وارتقوا في المناصب في ظل الخلاف والصراع والانقسام، أي الذين عاشوا على فتات الانقسام بين الحركتين.
معارضة أو الاعتراض على مثل تلك القائمة في أوساط الحركتين له علاقة بالحسابات أو التوقعات الخاصة للعديد من القيادات والكوادر التي تطمح للفوز بمقاعد المجلس، كذلك له علاقة واضحة بدرجة تأييد تلك القيادات لاستمرار الخلاف بين الحركتين، أو لدرجة الاصطفاف مع القوة الدافعة لإنهائه والتقدم بقوة نحو الوحدة الوطنية الداخلية، لرص الصفوف في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، الذي يعتبر تلك المعركة الداخلية أخطر معركة يواجهها حالياً.
يطلق بعض المعارضين على فكرة القائمة الموحدة، وصف الخروج من مربع الانقسام إلى مربع الاقتسام، في محاولة للتحريض على احتمال تحقق الفكرة، وماذا في ذلك؟ أليست الشراكة السياسية التي تعني أنه من حق كل مفردات العمل الوطني، خاصة الحركتين الأكبر وزناً وتأثيراً وفعلاً ميدانياً وسياسياً، أن تتشاركا في قيادة الشعب الفلسطيني، وأن تقوما بتوزيع المقاعد والمواقع القيادية، إن كان في المجلس التشريعي أو في وزارات السلطة، ومن ثم في قيادة م ت ف؟ أو ليس ذلك هو ديدن كل الأحزاب التي تفوز بثقة شعوبها في المعترك الانتخابي، ثم ألم يكن هذا إرثاً فلسطينياً عرفته (م ت ف) طوال حياتها، حين كانت عبر نظام «الكوتة» تفرد عدداً من مقاعد مجلسها الوطني ولجنتها التنفيذية لفصائلها، كل منها حسب حجمها ووزنها وتأثيرها؟
يدّعي دعاة رفض تقدم حركتي «فتح» و»حماس» لانتخابات «التشريعي» بقائمة واحدة، أن ذلك يعني التغاضي عن الاختلاف في برنامجي الحركتين السياسي، وهنا نقول، عن أي خلاف يتحدثون، وفي حقيقة الأمر، أن الاختلاف كان شكلياً، وقد تزايد تلاشي ذلك الاختلاف مع مرور الوقت، وفي ظل الإجماع على كل البنود الرئيسية للبرنامج الوطني، المؤطر أولاً في ميثاق (م ت ف) ومن ثم في إطار السلطة التي يندفع الجميع للانخراط فيها عبر الانتخابات.
والكل يجمع على دولة مستقلة في حدود 67، وعلى مقاومة شعبية، وداخل كل فصيل بما في ذلك «فتح» و»حماس»، هناك من يتطرف لصالح تلك الأداة أو هذه في المقاومة، وأكثر من ذلك فإن قوائم المستقلين أو الخارجة عن الأطر، خاصة تلك الخارجة عن «فتح» والتي تنوي دخول المعترك، ليس لها برنامج، وهي لم تمارس لا الكفاح المسلح ولا الشعبي، وجلُّ شعاراتها تدور حول ما تسميه بالفساد، والذي بتقديرنا أن أهم أداة لمكافحته تتمثل في القانون والحفاظ على سلطة المؤسسات، التي في غيابها يظهر ويتفشى، ولا ضمانة شخصية لعدم وقوعه ارتباطاً بهذا الشخص أو ذاك.
إن قائمة واحدة لـ «فتح» و»حماس» تعني أولاً أن الاستحقاق الانتخابي بكل مراحله سيمضي قدماً بكل ثقة، وأن الانتخابات ستؤكد الوحدة الداخلية، وأن الشعب الفلسطيني سيزيد قوة بوجود «فتح» و»حماس» في سدة قيادته، تماماً كما كان حال «فتح» و»الشعبية» و»الديمقراطية» في (م ت ف) من قبل، وأن القائمة الواحدة، ستقدم برنامج الكفاح ضد الاحتلال على برنامج الخدمات الذي يتعامل مع وطننا وشعبنا، كما لو كان في النرويج مثلاً، بما يؤكد قبوله للعيش على هامش الاحتلال، ودون الاستقلال الوطني، لذا لأجل كل ما سبق نقول بفم ملآن وبصريح العبارة: نعم لقائمة واحدة بين «فتح» و»حماس»، نعم لبرنامج الحرية والاستقلال، نعم للوحدة الوطنية، ولا عزاء لمن دخلوا من الأبواب المواربة، أو من الشقوق بين الحركتين، أو لمن يتعاملون مع الشأن الفلسطيني العام، من غرف الفنادق أو من مقاعد الطائرات أو وفق منطق الصفقات، أو عبر الحسابات الإقليمية.
[email protected]
أضف تعليق