بعد كل ما مرّ بالبشرية من تجارب وحروب واقتتال على مدار التاريخ، آن الأوان أن نتوقّف عند الدروس المستفادة ونتعلم من جميع الأخطاء التي مرّت على الأمم بمختلف قومياتها ومواقعها ودياناتها وعقائدها، في الشرق الأوسط وفي أوروبا والولايات المتحدة وآسيا وإفريقيا وكل العالم. وآن لنا أن نعيد دراسة التاريخ بعين موضوعية فاحصة فقط من أجل استخلاص الدروس والعبر. ليس لأننا نريد أن نعيد كتابة التاريخ، أو لأننا نريد أن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء، أو لأننا مهتمون بالعدل التاريخي أو بإنصاف المظلومين في الماضي، بل لأننا نريد أن نتوجه بكل أنظارنا إلى المستقبل وبناء عصر جديد للأجيال القادمة. فقد مللنا من تفسيرات التاريخ والحروب والانتصارات والهزائم المنحازة لأمم دون غيرها، ومن المعيب على البشرية أن تكرر نفس الأخطاء القاتلة بنفس الطريقة الغبية. يكفينا كذباً وتزويرا ونحن نعلم أننا نكذب على أنفسنا قبل أن نكذب على غيرنا من الأمم.
نريد فكراً جديداً لعصر جديد. نريد فكراً ينقذ البشرية مما تعيشه اليوم من غياب العدل وغياب حقوق الإنسان ومن تباين شاسع بين الشعوب الغنية والشعوب الفقيرة. نريد فكراً ينتصر للبشر بغض النظر عن الجغرافية والجنسية والحدود المصطنعة. نريد فكراً ينتصر للإنسان والحيوان والنبات والبيئة التي نعيش فيها. نريد عصراً جديداً يكون البناء فيه هو العنوان. بناء الخير وتحقيق العدل والمساواة والرخاء للجميع. هذه ليست مدينة أفلاطون الخيالية ولا أضغاث أحلام ولا تمنيات تكاد تكون مستحيلة، فالمستحيل موجود فقط في أذهان المهزومين. نعم نستطيع أن نبني عالماً جديداً وعصراً جديداً يسود فيه العدل والعدالة الاقتصادية والاجتماعية وفي كل مناحي الحياة. لا نريد أن نرى جائعاً يموت من الجوع بهدوء في بيته في إفريقيا أو آسيا أو في أي مكان. لا نريد أن نرى أطفالا تنام في الشوارع تحت ركام البيوت المهدمة في عواصم المدن. لا نريد أن نرى السجون العربية مليئة بمساجين الرأي والمعارضة السياسية. لا نريد الدول البوليسية القمعية والأنظمة المستبدة التي تفتك بشعبها وتسرق خيراته.
آن الأوان لعصر جديد بنظام عالمي جديد، يسوده الحرية والكرامة الإنسانية. فلا حاجة لحدود جغرافية تفصل بين الأمم. لا حاجة للجدران والأسلاك الشائكة ولا لحرس الحدود. نريد أن نتحرك على هذه الكرة الأرضية ونسافر كما تسافر الطيور دون أن يعترضها أحد بهذا الزيّ أو ذاك. فمن نجح فعلياً بإزالة الحدود بين عشرات الولايات والدول في أمريكا وأوروبا، يستطيع أن يستكمل جهده في باقي الجغرافية الأرضية. أصبحنا نعلم أن نستطيع أن ننظم أمورنا واقتصاداتنا دون الحاجة إلى حدود فيزيائية تفصل بين الشعوب والدول، خاصة بعد كل هذا التقدم في التكنولوجيا والأقمار الصناعية. فقد أصبح من السهل تتبع أي مجرم ارتكب جريمة في مكان ما على هذه الكرة الأرضية وجلبه للعدالة في أي بقعة أخرى نريدها. يجب أن يكون التعاون على الأمن والاستقرار من أجل ازدهار الشعوب وراحتها ورخائها عنوان المرحلة المقبلة. فالدول وكل مؤسساتها الأمنية والإدارية يجب أن تكون موجودة فقط لخدمة شعوبها وليس للتضييق عليهم وحبسهم في جغرافية صغيرة مع دكتاتور وعلم يسمى وطن. هذا الكذب الذي اختلقته الدكتاتوريات حول الوطن والوطنية والعلم والدولة يجب أن ينتهي. لا نريد أعلاما ولا نريد أن نذبح بعضنا البعض من أجل رفع هذا العلم أو ذاك. نريد الكرة الأرضية كلها وطن للبشرية جمعاء. هكذا كانت قبل ملايين السنين وهكذا يجب أن تعود.
والخير موجود والخيرات موجودة والأرض مليئة بالطعام والشراب من كل الأصناف والأنواع وتكفي كل الكائنات الحية التي تعيش عليها. فلا حاجة للاقتتال من أجل الغذاء وتخزينه. لا حاجة للحروب، ويجب أن تكون الحروب فقط في كتب التاريخ. نستطيع أن نتنافس في الزراعة والصناعة والتجارة والابتكار والاختراع العلمي في مجال الطب والصحة والتكنولوجيا وكل ما ينفع البشرية ويخدمها. ولا نريد التنافس في الصناعات الحربية وفي صناعة مزيد من الأسلحة الفتاكة والدبابات والرشاشات والقنابل لقتل بعضنا البعض. فلنتنافس على إرسال مزيد من المركبات إلى الفضاء، ولتنافس على اكتشاف الادوية لجميع الأمراض المستعصية حتى الآن على البشرية مثل السرطان. ولو أننا وضعنا جميع موازنات الدول الحربية بمليارات المليارات من الأموال في البحث العلمي وفي الطب والزراعة العضوية لأصبح عالمنا أكثر أمناً ورخاء ولما احتجنا للجيوش وكل متطلباتها والموارد التي تصرف عليها هباء منثورا. كل ما نحتاجه هو بعض العقلانية والنوايا الحسنة. أما هذا الشرّ المتجذر في عقولنا بسبب التاريخ الأسود للأمم والقبائل، فعلينا أن نستأصله من فكرنا إلى الأبد. وكل شيء ممكن إذا توفرت الإرادة الحقيقية والوعي الحقيقي والحزم والعزم للانطلاق نحو عالم جديد بهذا الفكر الجديد الذي لن يرفضه إلا مختل أو معتوه. فقد تعبنا من كل الأمراض النفسية التي جلبتها لنا الحروب. وأصبحنا مرضى نفسيين على شكل بشر. وأصبحنا كتلة من الجشع متكدسة في دماغ وجسم يتحرك. وآن الأوان أن نصبح شيئاً آخر. شيء مفيد للبشرية ولجميع الكائنات الحية وللكرة الأرضية التي نعيش عليها. شيء جديد ينبع من فكر جديد لعصر جديد.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
لكاتب المقال، لمعرفة حل قانوني بحوار موضوعي [email protected]