في خضم الحرب التي خاضها ترامب لنزع الشرعية عن فوز بايدن بالرئاسة جرت مكالمة بين الأول ونتنياهو تضمنت سخرية واضحة من الثاني عندما تساءل فيما إذا كان «جو النعسان» بمقدوره أن يقدم على مبادرة السلام أي «صفقة القرن»، نتنياهو كان آخر رؤساء الحكومات الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الذي قام بتهنئة بايدن على فوزه ولكن من دون أن يشير إلى كونه الرئيس المنتخب وذلك من خلال تغريدة عبر تويتر وألحق تهنئته بتغريدة منفصلة شاكراً دونالد ترامب على ما أظهره من دعم لإسرائيل واعترافه بالقدس والجولان والوقوف بوجه إيران، ولما سماه «اتفاقات السلام التاريخية» وكأنه بذلك يعتذر بذلك لترامب عن تهنئته لبايدن.
ومنذ ذلك الوقت ظل نتنياهو بجوار هاتفه منتظراً رداً على تهنئته من قبل بايدن.
المقربون في طاقم هذا الأخير ما زالوا يؤكدون أنّ هذه المكالمة ستأتي بعد أيام قليلة، وما زال الوقت يمضي وهاتف نتنياهو لا يرن مستقبلاً مكالمة من بايدن الذي هاتف معظم من قاموا بتهنئته، لكن نتنياهو ما زال في حالة انتظار وكأن بايدن حسب العديد من الآراء تعمّد فعلاً أن يجعل نتنياهو ينتظر وينتظر، ليس فقط لطبيعة العلاقة الشخصية المتوترة بين نتنياهو وعهد رئاسة أوباما ونائبه بايدن، ولكن لأنّ هذا الأخير يريد أن يبلّغ نتنياهو برسالة محددة يستوعب من خلالها أن عهد الهدايا الأميركية المجانية لمساندته في معاركه الانتخابية قد مضى، وأنّ على نتنياهو أن يعيد قدميه إلى الأرض ويتعايش مع الواقع المتغير في الولايات المتحدة. وحسب جيرمي بن عامي رئيس المنظمة الأميركية اليهودية «جي ستريت» فإن الضوء الأخضر الذي منحه ترامب لإسرائيل لتفعل ما تشاء في الضفة الغربية خاصة في سياق الضم الزاحف للمستوطنات قد تحوّل إلى الأحمر في ظل إدارة بايدن.
وفي تقديرنا أنّ أمر المكالمة المتأخرة المنتظرة يعود بدرجة أساسية إلى موقف شخصي بين بايدن ونتنياهو ولا يعكس تغيراً وازناً في العلاقات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، مع ذلك فإنه يعكس بدرجة واضحة التوجّه العام للسياسية الخارجية الأميركية الجديدة، والتي لا تتضمن على المستوى الزمني المنظور الملف الفلسطيني الإسرائيلي بعد أن استوعبت هذه الإدارة أنّ الرئيس أوباما وفور تسلّمه مفاتيح البيت الأبيض جعل من هذا الملف أولوية في سياسته الخارجية إلاّ أنه لم يحقق أي نجاح يذكر ما يدفع إدارة بايدن إلى عدم فتح هذا الملف إلاّ بعد تحديد سياساتها على الملفات الأساسية الثلاثة التي وضعتها على رأس أولوياتها إيران والصين وروسيا، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى أنّ وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن هاتف فور تقلّده لمنصبه كلا من نظرائه في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا طالباً منهم التعاون على هذه الملفات المذكورة من دون أي إشارة لا من قريب أو بعيد إلى الملف الفلسطيني الإسرائيلي الذي قال عنه في مناسبات عديدة إنه ملف شائك ويحتاج إلى مزيد من الوقت.
إدارة بايدن قامت بتعيين مبعوثين خاصين جدد لملفي اليمن وإيران، إلاّ أنها لم تعين مبعوثاً خاصاً للملف الفلسطيني الإسرائيلي كما جرى الأمر عليه في الإدارات الديمقراطية والجمهورية السابقة، ورغم تعيينها مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط وشمال إفريقيا فإن مهام هذا المبعوث تتعلق بالوجود العسكري في المنطقة خاصة في العراق وسورية وكذلك لملف سحب القوات الأميركية.
الملف الفلسطيني الإسرائيلي ليس على جدول أعمال السياسة الخارجية الأميركية وعلى نتنياهو أن يظلّ منتظراً بالقرب من الهاتف إلى أن يستوعب هذه الرسالة، التي يجب أن تصل أيضاً إلى الجانب الفلسطيني الذي ما زال يراهن على أنّ هذا الملف يشغل حيزاً لدى إدارة بايدن.
[email protected]
أضف تعليق