قرار الغرفة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية، بانطباق ميثاق روما على الولاية القانونية لدولة فلسطين، يشكل مجرد بدء حرب قانونية طويلة. بالتأكيد فإن صدور القرار، الذي يتيح للمدعية العامة فاتو بنسودا البدء بالتحقيق في شبهة ارتكاب إسرائيل جرائم حرب، يشكل خطوة إيجابية فهو يعني من بين ما يعنيه الاعتراف بدولة فلسطين ويعني أيضاً الانطلاق من قرارات الأمم المتحدة كأساس.
القرار يعني أن إسرائيل دولة احتلال، بموجب القانون والقرارات الدولية، وأن كل ما تقوم به على الأراضي المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية، إنما ينطوي على مخالفات وجرائم بحق القانون الدولي الإنساني بما ينسف الرواية الإسرائيلية التي تتعامل مع الأراضي المحتلة كأرض متنازع عليها.
ما صدر عن الجنائية الدولية حتى الآن، يقدم بطريقة غير مباشرة تفسيراً لقرار 242، وفي الوجهة التي تعزز الرواية الفلسطينية من أن الأراضي المحتلة العام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية، هي أرض فلسطينية محتلة.
ويعني القرار أيضاً اعتراضاً قانونياً على الموقف الذي اتخذته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، باعتبار القدس كلها عاصمة لدولة إسرائيل وبناء على ذلك نقل سفارة بلاده إليها.
القرار ينطوي على جرأة وشجاعة عالية لدى قضاة المحكمة ومدعيتها العامة، وانحياز المحكمة لصالح الضحايا، خاصة أن إسرائيل جندت إمكانيات هائلة ودولا صديقة، وقضاة ومحامين للضغط على المحكمة من أجل التوقف عن متابعة ملف جرائمها.
ويعلم الجميع أن إدارة ترامب أصدرت قرارات إجرائية تنطوي على عقوبات على المحكمة وقضاتها. لحماية إسرائيل من الملاحقة.
الإدارة الجديدة، أعلنت قبل وقت أنها ستراجع العقوبات التي اتخذتها الإدارة السابقة بحق قضاة المحكمة، ما ربما شجع القضاة على اتخاذ قرارهم دون خوف. غير أن نية إدارة بايدن في مراجعة العقوبات بحق القضاة، لا تعني أن الولايات المتحدة ستترك مصير إسرائيل ومسؤوليها بيد القضاة والمحاكم، لكونها المتعهدة الدولية بحماية إسرائيل، والدفاع عن أمنها ومصالحها.
بعد قرار الغرفة التمهيدية أعلنت الخارجية الأميركية على لسان الناطق تيد ترانس معارضتها للقرار، واستعداداتها لمواصلة دورها في حماية الأمن لإسرائيل والدفاع عنها.
ذريعة الخارجية الأميركية، تشكل موقفا معاديا للفلسطينيين حيث تشير إلى أن الفلسطينيين غير مؤهلين كدولة ذات سيادة وبالتالي ليسوا مؤهلين للحصول على العضوية كدولة في المنظمات أو الكيانات أو المؤتمرات الدولية بما في ذلك المحكمة الجنائية.
لو كانت الولايات المتحدة حريصة على القانون، وعلى ملاحقة مجرمي الحرب، لكانت انضمت إلى المحكمة الجنائية، بالإضافة إلى أنها تنكر أن فلسطين تشغل مركز عضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة رغم اعتراض الولايات المتحدة على التصويت لصالح فلسطين في هذا المركز.
أمام الفلسطينيين وأصدقائهم معركة طويلة وقاسية ذلك أن لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة ستسلمان بما تزمع المحكمة الجنائية القيام به، لذلك فإنها معركة ترافق عملية الصراع الطويلة والمريرة التي تحكم الصراع الفلسطيني والعربي الصهيوني.
في الواقع، فإن إسرائيل لا يمكن أن تفلت من مواجهة مصيرها آجلاً أو عاجلاً، ولا يشفع لها كونها لم تنضم ولن تنضم لمعاهدة روما أو إلى أي معاهدة أخرى لأنها تدرك ما تفعل.
الحملة في إسرائيل بدأت عمليا لمناهضة قرار المحكمة، فلقد وصف نتنياهو القرار، بمعاداة السامية وبأن القرار مسيس، وأنه معادٍ للدولة العبرية، ومعادٍ لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
السودان لم تنضم لمعاهدة روما، ولكن ذلك لم يعف المحكمة من إصدار قرار استدعاء الرئيس السابق البشير للمحكمة لفحص التهم الموجهة إليه والحال ينطبق على إسرائيل.
ناطق باسم المحكمة الجنائية قال، إن إسرائيل ليست ملزمة بالتعاون مع محققي المحكمة، وهذا صحيح في الواقع، ولكنه لا يمنع المحكمة من متابعة التحقيقات خاصة أن الجرائم الإسرائيلية ترتكب في الأراضي المحتلة العام 1967، وليس في إسرائيل بالحدود التي تعترف بها الأمم المتحدة.
مشكلة إسرائيل كبيرة، ذلك أن التحقيقات في شبهة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم بحق القانون الدولي والإنساني لا تقتصر على ما قامت به خلال حروبها على قطاع غزة.
التحقيقات ستشمل ما ترتكبه إسرائيل من جرائم وإجراءات أحادية الجانب في القدس الشرقية، وتشمل الاستيطان، وهدم البيوت والإعدامات الميدانية، وكلها موثقة لدى الفلسطينيين ولدى المحكمة.
في هذا الإطار ينبغي الاعتراف بالدور الذي قامت وتقوم به منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، حيث إنها وثقت مئات الشكاوى والقضايا أمام القضاء الإسرائيلي والتي لم تخضع للتحقيق والإنصاف، ما ينفي عن القضاء الإسرائيلي الأهلية للمحاسبة على الجرائم بما يعفي المحاكم الدولية.
نقول ذلك لأن المحكمة الجنائية رفضت قبل أيام قليلة ادعاءات حقوقيين عراقيين بشأن ارتكاب الجيش البريطاني جرائم حرب بحق العراقيين، وكان جواب المحكمة أن القضاء البريطاني مؤهل لمتابعة مثل هذه الادعاءات وأن على المدعين مخاطبة ذلك القضاء.
من المؤكد أن الولايات المتحدة ستستخدم قوتها لابتزاز الفلسطينيين والضغط عليهم لتجميد الملف، أو سحبه ما يعني أن السلطة الفلسطينية مسؤولة عن امتلاك الإرادة الكافية للمضي قدماً، ونحو خوض هذه المعركة، خاصة أنه لا مجال للمراهنة على عملية سلام تؤدي إلى تحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية.
[email protected]
أضف تعليق