حيث ورد سؤال لدار الإفتاء سؤال نصه...ما حكم أخذ الزوجة وسائل منع الحمل بلا إذن من الزوج أو معرفة؟ وكذلك إعطاؤها للزوجة بدون علمها؟، وجاء رد الدار كالآتى:
فطر الله الخلق على حب النسل؛ قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ﴾ [آل عمران: 14]، وأخبرنا أن من صفوته من خلقه من طلب ذلك، فحكى عن زكريا عليه السلام قوله: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾ [الأنبياء: 89]، وحكى عن إبراهيم عليه السلام قوله: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات: 100].
وعن آسية -وهي ممن كمل من النساء كما في الحديث الشريف- قال: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [القصص: 9].
ولم يترك الله طريقة إيجاد ذلك النسل هملًا، بل قيد العلاقة التي يمكن إيجاد النسل من خلالها؛ فقال عز من قائل: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۞ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ۞ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: 5-7]، وقال: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32]، فأحل الزواج وحرم السفاح حفاظًا على الأعراض والنسل، وكذا شرع العدد للمزوجات بعد الدخول إذا كان هناك فرقة؛ لـحكم متعددة: منها استبراء الرحم. ومنع الله النسب إلا مِن طريقِ ما شرعه لعباده ولو كان هذا الطريق بعيدًا عن الفاحشة كالتبني، وفي هذا يقول سبحانه: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ۞ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ﴾ [الأحزاب: 4-5].
والخلاصة: أن طلب النسل جائز ومشروع، ولا يُعدُّ الحرص عليه من المكروهات؛ لفعل الصفوة ذلك.
وقد تكلم الفقهاء على منع النسل بوسائل مؤقتة من الزوجين أو من أحدهما خاصة في كتاب النكاح.
والحكم الشرعي في ذلك أنه لا يجوز استخدام وسيلة لمنع الحمل بدون إذن الطرف الآخر، فكل من الزوجين لا يحق له أن ينفرد بتحديد النسل، لكن بالتشاور.
والدليل على ذلك أن طلب الولد يُعدّ حاجة لكل منهما، كما أنه مطلب عام من مطالب الزواج، حتى ذهب بعض السلف إلى أن العقم عيب يرد به النكاح، قال الحسن البصري: إذا وجد الآخر عقيمًا يخير، وأحب أحمد أن يتبين أمره، وقال: عسى امرأته تريد الولد.
ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها" أخرجه ابن ماجه، وله شواهد موقوفة عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، وهو قول سعيد بن جبير وعكرمة وعطاء.
وبنحو ما ذكرنا ذهب كثير من أهل العلم:
قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (7/ 298): [ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها. قال القاضي: ظاهر كلام أحمد وجوب استئذان الزوجة في العزل، ويحتمل أن يكون مستحبا؛ لأن حقها في الوطء دون الإنزال، بدليل أنه يخرج به من الفيئة والعنة. وللشافعية في ذلك وجهان، والأول أولى؛ لما روي عن عمر رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها". رواه الإمام أحمد في "المسند" وابن ماجه؛ ولأن لها في الولد حقًّا، وعليها في العزل ضرر، فلم يجز إلا بإذنها] اهـ.
ومما تقدم يتبين عدم جواز أخذ وسائل منع الحمل مؤقتًا للزوجة بدون إذن الزوج، كما أنه لا يجوز للزوج أن يتغافلها ويجعلها تتناول ما يمنع عنها الحمل دون علمها وإذنها، إلا أن توجد حاجةٌ شرعيةٌ لذلك كما مَرّ.
[email protected]
أضف تعليق