هل تذكرون نداءات نتنياهو المتتالية في انتخابات الكنيست، في العام ٢٠١٥، عندما حذّر من تدفق العرب إلى صناديق الاقتراع، مطالباً بهبة يهودية للحفاظ على الدولة ممن يسعون إلى هدمها!
اليوم يحاول نتنياهو التملّص من تلك التصريحات ليس عن قناعةٍ طبعاً، وإنما رغبة في الصوت العربي الحاسم في الكنيست المقبلة، فهو يرى مؤشرات من قيادات فلسطينية في الداخل، تفيد بأن هناك فرصةً للانقلاب على مفاهيم وطنية سادت عقوداً، وبوادرَ تحلّلٍ من ارتباطٍ سياسي بالقضية الفلسطينية ببُعدها النضالي والشعبي.
بناءً على هذه المفاهيم جاءت زيارة نتنياهو إلى مدينة الناصرة الأسبوع الماضي، التي انقسمت بين أغلبية رافضة ومنددة بهذه الزيارة وبين أقلية مستقبلة ومتعاونة تحت مسمى المصالح الوهمية.
في انتخابات الكنيست الثالثة والعشرين حصلت القائمة المشتركة التي ضمت الجبهة والقائمة الموحدة والعربية للتغيير والتجمع على ١٥ عضواً وحازت الترتيب الثالث من حيث عدد الأعضاء في الكنيست بعد حزب الليكود وقائمة أزرق أبيض.
القفزة الكبيرة والإنجاز غير المسبوق لفلسطينيي الداخل جاء في ظل وحدةٍ بين مختلف أطراف العمل السياسي، واقتناع فلسطينيي الداخل بأن جميع الأحزاب الصهيونية خذلتهم ووضعتهم في الخانة الرابعة ضمن المفاهيم العنصرية التي تحكم دولة الاحتلال ابتداءً من الأشنكاز (الأوروبيين) ثم السفارديم (الشرقيين) ثم يهود الفلاشا وغيرهم من الأقليات القادمة من مناطق إفريقية وآسيوية بما فيها الهند، ثم أخيراً العرب.
لكن المنحنى التصاعدي لفلسطينيي الداخل، شكّل لدى الأحزاب الصهيونية خطاً أحمر، فجميعها لا تعتبر العرب شركاء في الحكم أو داعمين للأحزاب الحاكمة. لوحظ ذلك في الانتخابات السابقة حين جرى استخدم العرب كفزّاعة خلال المشاورات التمهيدية لتشكيل الحكومة الإسرائيلية.
وعلى الرغم من خطورة التوجه نحو الأحزاب الصهيونية في حينه، فإن القائمة المشتركة ربما وقعت في الفخ، من خلال توصيتها أمام الرئيس الإسرائيلي لرئيس حزب أزرق أبيض غانتس بتشكيل الحكومة، الذي كان يتلاعب بهذه الورقة من أجل تحسين شروطه مع حزب الليكود، ليس حباً في العرب أو وجود توجه حقيقي للمشاركة، فقد كانت التصريحات الجوفاء حول المساواة، والميزانيات المخصصة للعرب وغيرها جزراً متعفناً يقدم كمجرد طعم فقط.
بعد أيام على توصية القائمة المشتركة، انحرف غانتس نحو صهيونيته وعنصريته، وباع العرب دون ثمن، ما تسبب في شروخ في مواقف الكتل والأحزاب العربية، وبدأت ترتفع أصوات «نشاز» بضرورة التواصل مع الأحزاب الصهيونية من أجل المساواة وتحسين الأوضاع الاجتماعية، وعلى رأسها الحد من مسلسل جرائم القتل والعمل على تضييق سياسة هدم المنازل العربية في الداخل.
كانت البداية مع القائمة الموحدة التي يتزعمها عباس منصور، التي تمثل الحركة الإسلامية الجنوبية، وهي الحركة التي أسسها الشيخ عبد الله نمر درويش في العام ١٩٧١ وتحمل مبادئ الإخوان المسلمين، لكنها لم تكن على علاقة مباشرة مع الإخوان، بعكس الحركة الإسلامية الشمالية التي ترأسها الشيخ رائد صلاح التي ارتبطت بقوة بالإخوان المسلمين، بمعنى أن القائمة العربية الموحدة ذات جذور إسلاموية.
عباس منصور يعتقد أن التواصل مع الأحزاب الصهيونية أو ما يطلق عليه البعض الأسرلة هو في صالح فلسطينيي الداخل، بغية الحصول على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والمساواة، والابتعاد خطوةً إلى الخلف عن أيّ علاقات خاصة مع الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع.
من هنا بدأت اتصالات هذه القائمة مع نتنياهو ثم الاقتراب من رئيس حكومة متهم بالفساد وماثل أمام المحاكم.
التقارب الأول مع عباس منصور جاء على قاعدة عدم تصويت القائمة على طلب محاكمة نتنياهو مقابل الإقرار بوقف هدم البيوت العربية، أي ما يشبه ما حصل في قضية الضم في الضفة الغربية، فبعد هرولة العرب للتطبيع قرر نتنياهو تأجيل عملية الضم إلى حين.
«العربية الموحدة» كانت تحاول تبرير انحرافها على قاعدة ما الفرق بين التواصل مع حزب أزرق أبيض بقيادة غانتس والشراكة معه، أو التواصل مع نتنياهو وحزب الليكود ما دام في ذلك مصلحة لفلسطينيي الداخل.
هذا المنطق مجرد «كلمة حق يراد بها باطل»، لأن نتنياهو يبحث عن الصوت العربي ضمن الفئة المصنفة بالعرب الجيدين، أما أولئك «الخونة» الذين يؤيدون «الإرهاب» الفلسطيني فهم العرب السيئون الذين يجب التخلص منهم حسب توصيف نتنياهو، ومن هنا نلاحظ أن بعض القيادات العربية أصبحت لا ترى في إعلان إسرائيل كدولة يهودية أي خلل، بعدما كان تصنيفها السابق أنها دولة ديمقراطية، وإن كانت في ممارساتها أبعد من السماء عن هذا المفهوم.
أمام هذه التطورات، ومع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة في آذار القادم، فإن فلسطينيي الداخل أمام انشقاق واضح، وربما أكثر من كتلة ستتنافس لخوض الانتخابات، وهذا سيؤدي بالتالي إلى خسارة بعض المقاعد، ربما أكثر من ٣ مقاعد ستذهب لصالح اليمين الإسرائيلي، وهذا ما يتطلع اليه نتنياهو ويسعى إليه، وأكثر من ذلك محاولة جر مجموعات هامشية من العرب من جديد للتصويت إلى حزب الليكود.
حال الفلسطينيين في الداخل كحالهم في الضفة والقطاع وكحال العرب جميعاً، كلما اقتربوا من الوحدة خرج من بينهم من يعيد الأمور إلى مربعها الأول من الفرقة والتناحر، فهل يتعلم الفلسطيني في الداخل من الدروس القاسية، أم أننا أمام انهيار في جبهة فلسطينية أخرى؟
هنا لا بد أن نستمع بعقلانية إلى أصوات أقطاب الليكود، فقد أعلن تساحي هنغبي أن لا إمكانية لأي تحالف مع قوائم عربية، إلى جانب بيان حزب الليكود الذي أكد أنه لن يشكل أي حكومة بدعم من عباس منصور! فهل هذا يكفي كصدمة نفسية وأخلاقية تعيد قطار وحدة فلسطينيي الداخل إلى سكته، أم أن نتنياهو نجح في تفتيت القائمة المشتركة وتفكيكها.
[email protected]
أضف تعليق