ثلاث ليالٍ انقضت بتجمعات كبيرة من المواطنين والتجار وسط الخليل، طالب المشاركون فيها بوقف إجراءات الحكومة المتمثلة بالإغلاق في ظل تسارع انتشار فيروس كورونا، إلى أن انتهت أمس، بأحداث مؤسفة وإطلاق نار بين الأجهزة الأمنية وعناصر مجهولة!!!
لغط هنا وهناك، وكلمات حادة ألقيت خلال التجمعات، جميعها كانت ضد الإغلاق على اعتبار أن هذا سيكمل حلقة تدمير اقتصاد المحافظة التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الفلسطيني سواء من حيث حجم رأس المال المستثمر، أو من خلال حجم الضرائب التي تتم جبايتها، أو من خلال عدد سكان المحافظة الذي يوازي تقريباً ثلث سكان الأراضي الفلسطينية، في الوقت الذي تم تجاهل خطورة الوضع الصحي شبه الكارثي.
احتجاجات الخليل تسببت شئنا أم أبينا في خلخلة التوازن، البعض حاول تضخيم الأمور وكأنها نوع من العصيان المدني، والآخر قلل من شأنها، وكأنها مجرد سحابة ستنقشع دون أثر، والبعض الآخر عاد إلى نظرية المؤامرة القائمة على شماعة حزب التحرير وغيره من الفئات المتصيدة!!
في فلسطين ومع بداية ظهور أولى الحالات في بيت لحم، اتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات التي لاقت قبولاً واستحساناً لكنها ذهبت إلى أقصى درجات الوقاية من خلال فرض الإغلاق الشامل على جميع محافظات الضفة، ووقف حركة المرور، وإغلاق المحال التجارية، وشل القطاع الخاص والأهلي، وغيرها من الإجراءات التي تسببت بضربة اقتصادية قوية لاقتصاد يتسم بالضعف في ظل إجراءات واعتداءات الاحتلال وأوضاع إقليمية وعالمية متردية، خاصة وقف المساعدات الأميركية والضغط الأميركي على الأنظمة العربية لوقف معوناتها للسلطة على قاعدة الانهيار أو الخضوع لصفقة القرن.
خلال الإغلاق الأول، ارتفعت الأصوات المطالبة بدراسة حقيقية لمجمل الأوضاع وتقييمها إيجاباً وسلباً، وأخذ العبر، لكن دون آذان صاغية.
مشكلة الحكومة الأساسية أنها كانت وما زالت تنظر بعين واحدة، تركيزها على القطاع الحكومي فقط، جل همها الموظفون العموميون والرواتب، بل إن تغطية الرواتب كان وما زال همها الأكبر، بحيث إن كثيراً من المواطنين في تعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، يعتبرون أن السلطة أصبحت سلطة رواتب. وهذا أمر خطير وتوصيف كارثي إذا ما أصبحت هذه قناعة راسخة عند الناس.
نعم، الحكومة تنظر إلى القطاع الخاص وكأنه في الدائرة الثانية من اهتماماتها، حتى في ديونه المتراكمة على السلطة، مع أن القطاع الخاص أساس الاقتصاد الوطني، وانهياره يعني انهياراً حقيقياً للسلطة، أما القطاع الأهلي فنظرة الحكومة إليه كانت وما زالت أنه خارج السياق أصلاً.. ما أدى إلى انهيار شبه كامل لهذا القطاع المهم، ولم يبق من المؤسسات الأهلية إلى القليل القادر على العيش بالحد الأدنى من مقومات وجوده.
انقضت شهور والوباء بدأ ينتشر، والإصابات ترتفع بشكل حاد، أما الوفيات فأمست من خانتين وما زالت تتصاعد، ما أوصلنا إلى نقطة كنا لا نتمنى أن نصلها.
التقصير الأول من الجميع هو عدم الالتزام بالإجراءات الوقائية، فالتعليمات التي صدرت كانت في معظمها حبراً على ورق، وحتى القانون تم تجاوزه بشكل واضح، والمخالفات القليلة كانت لمواطنين يمرون في مراكز المدن دون ارتداء الكمامة، أما الأسواق وأماكن الترفيه والمقاهي، وقاعات الأفراح، والأعراس فحدث ولا حرج، الجميع لم يلتزم بل ضرب قرارات الحكومة بعرض الحائط، وأصبحنا في حالة انفلات وفوضى عارمة، دون قدرة على الضبط.
الموجة الثانية من «كورونا» في أوجها اليوم، وربما تنتظرنا موجه ثالثة تكون فيها الإصابات أكثر من ثلاث خانات، وهو ما أجبر الحكومة على اتخاذ إجراءاتها، لكن المشكلة أنها، أي الحكومة، لم تقم خلال الأشهر الماضية بإجراء مشاورات ولقاءات واستماع إلى القاعدة، والوصول إلى قواسم مشتركة حول أهم القضايا.
في الخليل المحتجون يطالبون بتفعيل الإجراءات الوقائية من تباعد وكمامات، علماً أن التجار لم يساهموا بالحد الأدنى في تطبيق الإجراءات سابقاً! لماذا الآن بعد أن اقتربنا من الكارثة نصرخ مطالبين بالإجراءات؟ وهل سنتفق على آلية للتنفيذ الحقيقي أم هي لعبة القط والفأر.
في الخليل تذكروا أنه في ليلة عيد الفطر تم كسر الإغلاق وانفلت الناس في الشوارع، وبعد أسبوعين انتشر الوباء كالنار في الهشيم، وربما أصبح عدد الإصابات بالنسبة لعدد السكان من أعلى النسب على مستوى العالم.. فهل نعيد الكرة بشكلها السلبي والخطير.. بمعنى تحطيم ما بقي من هيبة السلطة.
ربما لا تزال لدينا فرصة للحوار مع ممثلي القاعدة، الغرف التجارية، الاتحادات الشعبية، قادة العمال، القطاع الخاص، القطاع الأهلي... للاتفاق على إجراءات مشتركة وليس قرارات فوقية أو التهديد بالقبضة الأمنية، أو التراجع عن القرارات بعد أقل من 24 ساعة على اتخاذها، وهو يعني الكثير دون الخوض في مرارة وضعنا... وحتى لا نصل لا قدر الله إلى مرحلة كسر الإغلاق شعبياً، وعندها تكون الكارثة قد وقعت.
[email protected]
أضف تعليق