لن يقدم الرئيس الأميركي المنصرف دونالد ترامب على تسليم مقاليد البيت الأبيض للرئيس المنتخب جو بايدن في العشرين من كانون الثاني القادم باختياره وإرادته، ذلك أنه ما زال مصراً على أنه المنتصر في هذه الانتخابات التي يعتبرها مزورة، مع ذلك فإن مفاتيح البيت الأبيض مآلها في جيب الرئيس بايدن، بصرف النظر عن موقف ترامب الذي لا يعلم أنه بذلك ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، يكون هناك رئيس مطرود من البيت الأبيض. هناك رؤساء سابقون استقالوا أو تخلوا عن مناصبهم، أمّا الرئيس السابق ترامب ونظراً لموقفه فقد يتم طرده عنوة من البيت الأبيض في حال عدم إتمام عملية التسلّم والتسليم وفقاً لقواعد نظام الحكم في الولايات المتحدة.
وكذلك يصبح الرئيس بايدن أوّل رئيس أميركي يطرد الرئيس السابق من البيت الأبيض، ورغم أنّ المتابعين يجتهدون الآن في قراءة السياسة الداخلية والخارجية للإدارة الجديدة، إلاّ أنّ أغلبهم غفلوا عن إحدى أهم النتائج المباشرة لوصول بايدن إلى البيت الأبيض، ونقصد هنا هزيمة محتملة للشعبوية على المستوى الدولي، وخاصة الشعبوية القومية المحافظة اجتماعياً والمناهضة للهجرة في أوروبا الشرقية على وجه الخصوص، ناهيك عن بعض القادة الشعبويين في بريطانيا والهند والبرازيل دون تجاهل التجمع الوطني الفرنسي "الجبهة الوطنية" سابقاً بزعامة مارين لوبان.
الهزمية المرجحة على نطاقٍ واسع بعد سقوط ترامب عراب الشعبوية لم تكن مجرد آثار جانبية لوصول بادين إلى البيت الأبيض، فهذا الأخير كان قد وضع هزيمة الشعبوية القومية عندما وضع برامج حملته الانتخابية، وأثناء هذه الحملة أوضح بايدن بشكلٍ سافر موقفه من الحكومات الشعبوية في أوروبا الشرقية عندما قال مهاجماً منافسه ترامب: نشاهد ما يحصل في بيلاروسيا والمجر وبولندا وصعود الأنظمة المستبدة في العالم، إلاّ أن رئيسنا "يقصد ترامب بالطبع"، يدعم هذه الأنظمة وهذه الدول المارقة في هذا العالم، وكانت هذه الإشارة إعلاناً عن فقدان هذه الأنظمة لعرابها الذي استندت إلى دعمه السياسي لضمان استمرارها مع سقوط هذا العراب، لهذا رأينا أن رئيس سلوفينيا جانيرجانزا سارع لكي يصبح أول رئيس دولة يهنئ ترامب بفوزه لانتخابات الرئاسة، ما شكل سقوطاً مدوياً لتطلعاته بعدما تبين سقوط رهاناته على فوز ترامب، وكذلك كما هو حال عرابه ترامب ما زال منكراً لحقائق ونتائج الانتخابات ويعتبرها مزيفة وفي حالة انكار مستخدماً نفس مصطلحات واتهامات ترامب، ما يشير إلى ترابط الشعبوية التي قادها ترامب انطلاقاً من أميركا إلى تلك الشعبوية التي انتشرت في القارات الخمس.
الأمر هنا يتعلق بالسياسة وليس بالأفكار والنظريات والأيدولوجيات، فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن إدارة ترامب شجعت ودعمت بكل قوة شعبوية النظام البولندي وساندته للفوز في الانتخابات الأخيرة، ذلك أن ترامب كان يستهدف في حقيقة الأمر اضعاف ونخر وحدة الاتحاد الأوروبي، وكانت بولندا إحدى أهم أدواته في تحقيق هذا الهدف بالنظر إلى موقفها المتمردة على توافقات الاتحاد الأوروبي، وكانت في حالة صراع مع ألمانيا التي تشكل العمود الفقري للاتحاد الأوروبي، خاصة في المسائل المتعلقة بالهجرة واللاجئين، وهو ذات الموقف الذي وحد الشعبوية الأوروبية وراء عرابها في واشنطن قبل أن يطرد من البيت الأبيض.
[email protected]
أضف تعليق