انتقل الى جوار ربه قبل أيام الشيخ الفاضل والمربي المخضرم والقيادي بالفطرة المرحوم أبو فؤاد سليم داهش معدي, ابن قرية يركا الحبيبة, وابن جليلنا الجليل والغالي والذي ترابه أغلى من الذهب.
بدأت معرفتي بالمرحوم منذ الصِغر حين بدأت أدرك معالم العلاقات الاجتماعية, بحكم علاقات جدي ووالدي مع المرحوم واسرته القريبة, علاقات كانت سطحية في المرحلة ما قبل ما يقارب العشرين عاما الأخيرة تقريبا, عندما بدأ المرحوم وبمبادرته هو الى جعل هذه العلاقة أكثر عمقا وشمولية, والبادي أجود, اذ تمحور هذا التطور الإيجابي والمبارك والمفاجئ, بالنسبة لي ولانتماءاتي , حول قضية الأرض أولا وبالأساس, وبعدها اتسع بشكل طبيعي ليشمل كل مناحي ونواحي حياتنا كعرب فلسطينيين.
كانت البداية عندما بدأنا نظهر سويا في النشاطات التي نظموها اخوان لنا في قريتي عسفيا ودالية الكرمل للدفاع عن ام الشقف والمنصورة واخواتها, وفي جولس لدعم الأزواج الشابة من أجل حصولهم على رخص العمار وفي بيت جن عند الاخوان خطيب وفي الزابود وفي جديدة المكر بخصوص منطقة النفوذ وغيرها من الحالات والمواقع الكثيرة, اذ كان لحضوره وتواجده هيبة ومعانى إيجابية وايحاءات ودلالات من أعمق وأجود وأثمن ما يكون, ليس فقط لكونه من بيت قيادي أو لأنه قيادي من الطراز الأول, أو لأنه تبوأ مناصب رسمية كمدير مدرسة ابتدائية ومن ثم ثانوية وبعدها مفتش معارف, أو لأنه شيخ ديّن أصلي وحقيقي وواعظ ومحاضر برع, أو لكونه طائي الكرم ومضياف حتى النخاع ومتبرع سخي ومعطاء سيال, أو لأنه قارئ نهم وعالم متبحر, وإنما لأنه دخل مجال النضال والدفاع عن الأرض والحقوق والمصلحة العامة عن قناعة راسخة وبإرادة جبارة واستعداد غير عادي للعطاء والتضحية, ومرات كثيرة كان يردد مقولة عظيمة منها بإمكاننا تحسس اهمية وقيمة هذا الراحل الكريم وفيها أن تشحن الهمم ودرس وعبرة ومثل للآخرين : " والله يا أبا سلمان أنا حاضر أن أعطي كل ما عندي وحتى حياتي من أجل الدفاع عن ما تبقى لنا من أرضنا", وكم كان صادق بقوله وفعله.
أبو فؤاد كان مع مجموعة ضيقة من الاخوان من دالية الكرمل وجولس وبيت جن وكاتب هذه السطور الذين أسسنا اللجنة المعروفية للدفاع عن الأرض والمسكن, والمشهود لمواقفها المشرفة التي جاءت في الفترة الأكثر عنصرية وتضييق على أزواجنا الشابة العربية عامة والدرزية منهم خاصة, لمنعهم من بناء بيوت سكن لهم, وبالتالي لمنعهم من بناء اسرهم وممارسة حياة طبيعية, وخاصة دورها المميز والريادي في محاربة أقذر آلية حكومية لتطبيق هذه السياسة الصهيونية الرسمية العنصرية - قانون كامينتس, اذ في بيته في يركا عقدت اللجنة احد أهم اجتماعاتها وبحضور النائب السابق رفيقنا عبدالله ابومعروف من القائمة المشتركة ورئيس المجلس المحلي في يركا الأخ وهيب حبيش, من هذا الاجتماع صدر القرار الداعي الى وجوب العمل على الغاء هذا القانون العنصري, ووجوب العمل, في حينه, على عدم إقرار قانون القومية ( وبعد اقراره المطالبة والعمل على الغائه).
تنخر في امتينا الإسلامية والعربية ظواهر غير طبيعية ومُضِرّة عديدة, مثل عدم تقدير العظماء أمثال الفاتح العربي المسلم الفذ قثيبة بن مسلم وهو من فتح الشرق وعن يده أسلم مئات ملايين الناس, رغم هذا الفعل الخارق واهميته فبالكاد تجد من يعرفه أو يذكر له على الأقل هذا الفعل, التعامل مع فعله وذكراه وكأنه عابر سبيل عادي في تاريخنا, اذكر هذا في السياق ولأقول بأن راحلنا العزيز والغالي أبو فؤاد جدير كل الجدارة بأن نوثق سيرته لنستفيد منها ولنعطيه ما يستحق من التكريم والاشادة, وليس من أجله فقط, وإنما لردع كل متهور ومتهاون مع قضايا ومصالح وحاجة شعبنا وامتنا.
نم قرير العين أيها المربي والغيور على الأرض والدين وقضايا الناس ويا أول من حصل على شهادة البجروت الثانوية في يركا وثاني أكاديمي فيها, سنذكرك بالخير ونذكر سيرتك النيرة الحميدة الطيبة, تعالوا نحولها الى منارة لنا جميعا. عزائنا بهذه السيرة وبالأنجال وخلفك الصالح وبلدك الطيب. لتبقى ذكراه خالدة.
( كاتب هذه السطور رئيس لجنة المبادرة العربية الدرزية)
18.11.2020
[email protected]
أضف تعليق