نجح بنيامين نتنياهو بتفكيك كل خصومه من اليمين و"اليسار"، فشقّ قائمتيْ "كحول لافان- يش عتيد" و"العمل- ميرتس" إلى نصفين شبه متساويين، وشقّ النائب الحاخام رافي بيرتس عن حزب "يمينا". هذه القدرات الميكيافيلية تُسجّل له، ولكنّه فشل بتفكيك القائمة المشتركة، قائمة المواطنين العرب ومعهم يهود ديمقراطيون.
هذه القائمة الكبيرة التي نالت تأييدًا تاريخيًا غير مسبوق، وبارتفاعها مقعديْن إضافيين من 13 إلى 15 مقعدًا، قد حرمت نتنياهو من المقعدين اللذيْن احتاجهما لتشكيل حكومة يمين ضيقة (61 مقعدًا) على مقاسه تمامًا، تمنحه الحصانة وتمرر سريعًا مشاريع اليمين الاستيطاني وبصُلبه الضمّ وسائر سياسته العنصرية قوميًا والنيوليبرالية اقتصاديًا. تفكيك القائمة المشتركة وإضعافها أصبح هاجسًا ملحّا لدى بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي.
• نتنياهو والليكود يسعيان لشرذمة القائمة المشتركة.
قدّم نتنياهو بواسطة النائب الليكودي شلومو قرعي اقتراح قانون لخفض نسبة الحسم، وهو موجّه بالأساس للمساهمة بتفرقة القائمة المشتركة عند الانتخابات (وكذلك إدخال الكاهانيين للبرلمان ومحاولة تفريق إضافي في حزب "يمينا" برئاسة نفتالي بينت) مشروع نتنياهو هو تفكيك القائمة والتسبب بإحباط المواطنين العرب وبالتالي النكوص عن التصويت كما حدث بشهر نيسان السنة المنصرمة. وهكذا فقط ممكن أن يقترب نتنياهو من الحكم المطلق، الذي يحتاجه شخصيًا أولا وكذلك أيديولوجيًا، والذي منعته عنه القائمة المشتركة أو ساهمت بمنعه بشكل كبير جدًا، أكثر من أي قائمة أخرى.
تشخيصنا صحيح أن القائمة المشتركة هي إقلاع عكس زمن الشرذمة والتقهقر العربي وحتى الفلسطيني، هذا الامتداد القومي الذي طالما أثّر علينا ايجابًا وسلبًا. والمشتركة تشكّل مساهمة نوعية ببناء كيانية وطنية موحّدة بمواجهة المؤسسة الحاكمة التي ترفض الاعتراف حتى بقومية المواطنين العرب. صحيح أن شرعية المواطنين العرب مستمدّة أساسًا من الانتماء الأصيل للوطن، ولكن التوقّف عند هذا البُعد الأهمّ، يعني الاكتفاء بخطاب المحقّين، ولكنّ المشتركة فرضت شرعية المواطنين العرب تدريجيا ومنهجيًا على نحو مليونيْ مواطن من المركز يسارًا، الأمر الذي يعتبره اليمين ونتنياهو تحديدًا خطرًا وجوديًا لاستمرار حكمهما. لهذا فالقائمة المشتركة تواجه أعداء أشدّاء كثر، وتحديات هائلة للمحافظة على وحدتها، ومكانة المواطنين العرب المتصاعدة بالعمل السياسي.
• نحن أهل الوطن، بمفهوم الماضي والمستقبل.
معاداتنا لليمين نابعة من سياسته الداعية لـ"أرض إسرائيل الكاملة" كما عبّر عنها رئيس الكنيست ياريف ليفين من على منصة رئاسة الكنيست يوم المصادقة على اتفاق التطبيع مع الإمارات: "أرض إسرائيل لشعب إسرائيل، هكذا كان، وهكذا بالحاضر، وهكذا بالمستقبل"، ونابعة من عنصريته ذات الأبعاد الفاشية وتحريضه الدائمين ضد المواطنين العرب، ومن عمله للقضاء على الهامش الديمقراطي الذي نحن أصحاب مصلحة بتوسيعه لا تضييقه (على سبيل المثال نتيجة للتضييق المتواصل للهامش الديمقراطي جرى السماح للنائب هبة يزبك خوض الانتخابات الأخيرة بفارق صوت واحد من القضاة) واليمين يتّبع سياسة اقتصادية نيوليبرالية معادية للطبقات الضعيفة، وأبناء وبنات شعبنا هم الضحية اليومية والمباشرة لهذه السياسة، وغيرها من الأسباب.
نحن لسنا من يرفع الراية البيضاء، نحوْ قول أحد الزملاء: "واليمين مسيطر على مقاليد الحكم ويبدو أنّه راسخ فيها لسنين قادمة، فماذا علينا أن نفعل كبرلمانيين عرب؟" لم نوافق بأي مرحلة على هذا النهج، وكيف نوافق الآن واليمين يترنّح خلال ثلاثة انتخابات ويفشل بتشكيل حكومة. يفشل بالأساس بسبب المساهمة الحاسمة والقاطعة من القائمة المشتركة؟! ويترنّح الليكود ونتنياهو الآن على أثر الخروج المنهجي الأسبوعيّ لمئات الآلاف إلى الشوارع ضد نتنياهو واستطلاعات الرأي التي تبرز أزمته. ولكن التغييرات في غير صالح الليكود ونتنياهو ليست بالضرورة تتجه نحو المركز يسارًا، بل أن جزءًا جديًا يتجه نحو اليمين الفاشي الاستيطاني، نحو حزب يمينا تحديدًا. فنهجنا لا يمكن أن يكون رفع الراية البيضاء بمواجهة الفاشية المتصاعدة، وإنما مواصلة طريقنا الأصيل الذي نحن حققنا به إنجازات سياسية هامة على طول مسيرتنا، يشمل السنة الأخيرة.
نحن بالأساس نرفض مبدئيًا عقلية المقايضة كأهل هذا الوطن، ليس فقط بمفهوم الماضي، وإنما بالأساس بمفهوم المستقبل، هنا سيعيش أبناؤنا وأحفادنا، فلسنا نحن الذين نقايض الحكومة التي تسعى لتأبيد احتلال شعبنا وتمرّر قانون القومية، وفي هذه السنة المفصلية التي بها صفقة القرن ومؤامرات تاريخية أخرى، مقابل وعود مدنية، سواء تحقق جزء منها أم لا. وهي بأساسها أدنى حقوق المواطنة.
تجربتنا القريبة، كما البعيدة، أثبتت أننا نملك خيار انتزاع إنجازات هامة مثل الخطة الاقتصادية 922 وإيصال مليارات الشواقل إلى مجتمعنا دون مقايضة ودون أن نتنازل قيد أنملة عن مواقفنا السياسية الصلبة في مواجهة اليمين ورمزه نتنياهو. مجتمعنا الذي يُشاد طيلة أشهر وباء الكورونا بطواقمه الطبية والذي وصلت نسبة طلابه الجامعيين نحو 20% ويقفز حضوره سبعة أضعاف بمجال الهايتك، وعمّاله مختلف مجالاتهم يكدّون بكرامة في طول البلاد وعرضها، هو ذاته الشعب الوطني الذي دعم القائمة المشتركة بانتماء أصيل وهامة مرفوعة، وكذلك مستجيبًا لواحدة من أهمّ الرسائل الانتخابية وهي: إسقاط اليمين ونتنياهو. وعلينا أن نبقى مخلصين لالتزامنا الانتخابي، لا أن ننقلب عليه.
• القائمة المشتركة البديل الديمقراطي.
ما يُسمى بالـ"يسار الصهيوني" صاحب جرائم تاريخية منهجية وبشعة، وآخرها جريمة أكتوبر 2000 الفارقة، وله مساهمة فاعلة في العدوان على لبنان وغزة وتصريحات عنصرية. ولهذا فطريقنا الأساس هو الحفاظ على القائمة المشتركة كالمشروع الديمقراطي الصميمي الوحيد، وهذا هو المشروع الأساسي والأكثر استراتيجية.
وفي الوقت ذاته علينا أن نفرض فرضًا على أحزاب "المركز يسار" التعامل معنا باحترام وندية، نفرض ذلك عليها بشموخ واقعيّ: أنتم بدوننا لا تستطيعون، لا تستطيعون بالقطع! ومن يريد ثمن دعمنا الحاسم بمواجهة اليمين، عليه أن يسدّد ذلك بدفع استحقاقات السلام والمساواة والديمقراطية والعدل الاجتماعي. هذه القدرة ما كانت لتتحقّق لولا توحّدنا وحصولنا على 15 مقعدًا. هذا النهج يجب أن يُعزّز، خاصة بعد نجاحات السنة الأخيرة، لا أن يتقهقر.
لدي الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة طموح ربما لا يشاركها به جزء من مركبات القائمة المشتركة، ونحترم أيضًا من يختلف معنا، وهو توسيع النضال الشعبي العربي اليهودي لأنه لا بديل استراتيجي سوى تحويل الغالبية من الشعبين نحو قيم السلام والمساواة اللذين يشكلان المصلحة الحقيقية للشعبين، وهذا لا يتحقّق إلا بطريق وحدتنا الوطنية ونهجنا الديمقراطي الصميمي، لا بالانقلاب عليه.
• حول بناء أحزاب يهودية عربية للبرلمان.
انطلقت مبادرتان لتأسيس حزبين يهوديين عربيين لخوض انتخابات الكنيست القادمة. أعرف الأشخاص الذين يقودون المبادرتين، منهم من كان رئيسًا للوكالة اليهودية ورئيسا للكنيست، ومنهم من كان قائد المنطقة الوسطى إبّان الانتفاضة الأولى ومن كان مدير عام وزارة الخارجية، وأعتبر أن طريقهم الطويل حتى الانتقال إلى مواقف قريبة من توجهنا السياسي هو تطوّر أخلاقي يحُسب لهم وانتصار لخطّنا.
ولكنّهم يخطئون بفكرة الحزب اليهودي العربي. وأفسّر موقفي:
الشراكات أنواع، فهناك التحالفات حول قضية معينة مثل إنهاء الاحتلال، أو التصدّي للفاشية، أو الاعتراف بالقرى غير المعترف بها.. وهذا التحالف الشعبي لا يفرض اتفاقًا أيديولوجيًا أو تفصيليًا حول قضايا مختلف عليها. بينما إقامة جسم برلماني كما يقترح المبادرون فهذا خطأ. لأن متطلبات القائمة البرلمانية غير متوفرة فهي تتطلب اتفاقًا معمقًا حول قضايا تفصيلية وليس فقط الخطوط العريضة، فقادة القائمة البرلمانية يصرّحون بالندوات والإعلام ومنصة البرلمان والتصويت على القوانين التفصيلية، بل سيسألك المذيع المحاوِر حول الصهيونية، يهودية الدولة، قانون العودة لليهود، حق العودة للفلسطينيين، المساواة القومية، النكبة والمسؤولية عنها وتصحيح الغُبن التاريخي، الخدمة في الجيش، وستنال الأسئلة قضايا الإقليم، ومنها اتفاقيات التطبيع.. وسياسة أمريكا! وعلى أرض الواقع ستواجه يوم "الاستقلال" ويوم النكبة، واعتداءات، وردود فعل، وربما حروب!
الأحزاب اليهودية العربية لا تُقام اعتباطًا، أو بالاكتفاء بالخطوط العريضة، بل هنا "الشيطان موجود بقوة في التفاصيل". ومن يريد شراكة يهودية عربية برلمانية فالجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة هي العنوان الأصح. ومن يريد توسيع الشراكة الميدانية فهذا هو الأمر الصحيح دائمًا وأصبح أكثر نضجًا بالسنة الأخيرة، وهذا المشروع ليس من الكماليات الوطنية، وإنما هو في صُلب الضروريات لإحداث تغيير في المجتمع والدولة. لهذا قدّمت اقتراحي بمقالات سابقة، وهو إقامة شراكة يهودية عربية ميدانية (غير برلمانية) تتفق على القضايا الأساسية العريضة، وبالوقت ذاته تعقد طاولة مستديرة لمناقشة كل القضايا التفصيلية من أجل السعي المدروس للتقريب الدائم.
ناهيكم عن أن القائمة المشتركة حققت انجازًا برلمانيًا تاريخيًا، والأوْلى دعمها، وهي ترحّب بالحوار الصادق مع هذه المجموعات. ولكن أي فكرة لاقتناص الأصوات ستسعى، عمليًا، لتشويش مسار القائمة المشتركة، وهذا خطأ.
همّنا الأساس اليوم هو المحافظة وتقوية القائمة المشتركة بكل مركباتها مع نهجها الوطنيّ المكافح، وخوض الانتخابات القادمة بها. نحن مخلصون وقادرون.
[email protected]
أضف تعليق