في واحدة من أصعب الانتخابات الرئاسية الأميركية، ظهر التنافس على أشده بين الرئيس/ المرشح الجمهوري دونالد ترامب، والمرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن لدرجة أن اعتبرها الحزبان المتنافسان انتخابات مصيرية، بالنظر الى الفجوة في البرامج والرؤى السياسية، وحتى الى العلاقة بين الحزبين خلال الأربع سنوات التي مضت، من ولاية الرئيس ترامب في البيت الأبيض، والتي تجلت في احتكاكاته مع مجلس النواب ذي الأغلبية الديمقراطية، ومسه المستمر والمتتابع بالديمقراطيين، ان كانوا من النواب أو الشيوخ او حتى من المسؤولين السابقين خاصة الرئيس السابق باراك أوباما ومنافسته في الانتخابات السابقة هيلاري كلينتون، بل وكل الحزب الديمقراطي بمن فيه حكام الولايات، وجل الحزب الذي كثيرا ما اعتبره حزبا اشتراكيا.
باختصار، ترامب كرجل يميني متشدد، كذلك كرجل أعمال، يعمل في العقارات، لم يكن سياسيا محترفا، يحرص على اللباقة الدبلوماسية، فكثر أعداؤه وكارهوه في الخارج والداخل، لذا فقد تجند الديمقراطيون بقوة ضده في هذه الانتخابات، ما جعلها تبدو على غير عادة انتخابات الولاية الثانية التي يخوضها الرؤساء، والتي عادة ما تكون سهلة بالنسبة لهم، لدرجة انه مع مرور الوقت بدا ان ترامب هو الذي ينافس بادين، وليس العكس، خاصة في الأسابيع الأخيرة، وبالتحديد منذ إجراء المناظرة الأولى بين الرجلين، التي شابها الهرج، حيث لم يظهر الرئيس بهيبة الرؤساء ورزانتهم، ومن يومها وبايدن تؤازره استطلاعات الرأي منذ الربيع، صار يظهر كرئيس بكل ثقة الرؤساء، يدافع عن السياسة التي اتبعت في عهد أوباما، حيث كان شريكه كنائب للرئيس، فيما واصل ترامب الهجوم على سياسة سلفه، اكثر مما كان يدافع عن حكم الأربع سنوات التي قضاها في البيت الأبيض.
منذ الربيع واستطلاعات الرأي تمنح بايدن التفوق على ترامب، واستطلاعات الرأي في أميركا هي غيرها عن تلك التي تجري في إسرائيل مثلا، فهي أدق بكثير، ونادرا ما تخطئ، وان كان قد حدث هذا فيما سمي انتخابات الصدمة التي جرت في الانتخابات السابقة 2016، حيث كانت هيلاري كلينتون تتفوق وفق استطلاعات الرأي على ترامب، لكنه فاجأ الدنيا بأسرها بفوزه، وقد كان التنافس بين مرشحين، لم يكن احدهما رئيسا ولا حتى نائبا لرئيس.
ولكن حتى في تلك الانتخابات، كان فوز ترامب بسبب النظام الانتخابي الأميركي الغريب والمعقد، فكلينتون فازت فعلا بما يسمى التصويت الشعبي، أي أغلبية أصوات الناخبين الأميركيين بالمجمل، لكن المجمع الانتخابي ــــ حيث بناء على صناديق الاقتراع ترسل الولايات مندوبيها للمجمع الانتخابي لتحديد الفائز بأصوات 270 مندوبا، واختيار المندوبين ليس واحدا في كل الولايات، فهناك ولايات تجبر كل مندوبيها على التصويت للمرشح الفائز في ولايتها، بغض النظر عن نسبة فوزه، حتى لو كانت بفارق واحد او اقل بالمئة ــــ لكن تصويت المجمع الانتخابي هو الذي منح ترامب الفوز.
وهكذا كان فوز ترامب في الانتخابات السابقة لا يعكس اختيار أغلبية الشعب الأميركي، وكان واحدا من خمسة رؤساء فقط من أصل ستة وأربعين رئيسا الذي يخسر التصويت الشعبي ويفوز بأصوات مندوبي الولايات.
الديمقراطيون الذين صدموا من انتخابات 2016، رغم أنها سارت وفق عادة صعوبة فوز احد الحزبين بثلاث ولايات متتالية، واجهوا ترامب بقوة عبر أغلبيتهم في مجلس النواب، خلال ولايته المنتهية، واختاروا بايدن مبكرا، وتجندوا بقوة في هذه الانتخابات، وهم متوجسون من ان تخذلهم استطلاعات الرأي هذه المرة أيضا، فيما كانت مؤسسات استطلاع الرأي تعيد حساباتها، وتحسن أداءها، والذي ظهرت نتائجه في انتخابات الكونغرس العام 2018.
من جانبهم، أخذ الجمهوريون استطلاعات الرأي بعين الاعتبار، فانخرط ترامب نفسه في الحملة الانتخابية، بروح المقاتل، بما يشبه ما يظهر عليه بنيامين نتنياهو خلال منافساته الانتخابية الأخيرة، بحيث كان ينجح في قلب التوقعات في الأيام الأخيرة التي تسبق فتح صناديق الاقتراع.
الجمهوريون ركزوا على ما يسمى الولايات المتأرجحة، في محاولة على ما يبدو لتكرار ما حدث في الانتخابات السابقة، وهي ولايات أيضا لم يهملها المنافسون، لذا صارت الولايات الست أو السبع ساحة حرب حقيقية بينهما.
وفي تجاوز لما كان قد ظهر من تراخ على الديمقراطيين في الانتخابات السابقة، بسبب استطلاعات الرأي اندفع الناخبون للتصويت، بنسبة عالية ظهرت في التصويت المبكر، حيث أدلى أكثر من 95 مليون ناخب بأصواتهم.
هذه المرة تجري الانتخابات في ظل "كورونا"، والتي ان كانت مادة للجدل الانتخابي، إلا انها لم تحل دون التصويت الكثيف، لكن التصويت عبر البريد الذي يعتبر لصالح الديمقراطيين، يؤجل الإعلان لما بعد إغلاق الصناديق ربما بأيام، وهذا ما سيكون سببا لرفض النتيجة ان كانت في غير صالح ترامب، كما يعلن ويهدد بذلك منذ وقت.
خلاصة القول، إن أميركا ودول العالم كله ستعيش أياما دراماتيكية، اليوم، وربما أياما أخرى تالية، بغض النظر عن النتيجة، حيث ان الفائز من المتوقع ان يبدأ عهده بكثير من الحماس، الذي يرافق الفائز بعد مشقة وطول عناء، وقد لا ينتهي الجدل لا بإغلاق الصناديق ولا حتى بإعلان النتيجة، والخوف كله، من اندلاع أعمال شغب او عنف، بل وحتى من تمنع في تسليم السلطة، في حال فوز بايدن، فيما أميركا وحتى العالم كله سيكونان أمام مفترق طرق خطير، خاصة وان الأوساط الأمنية الأميركية تدرك بأن تحديات سياسية واقتصادية هائلة تنتظر الفائز، ليس في مواجهة الملفات الحالية، من الصين وإيران وغيرهما، بل وروسيا أيضا التي تعتبرها المؤسسة الأمنية الأميركية الأكثر خطرا على مكانة أميركا في العالم.
بقي ان نقول، ان فوز ترامب يعني مواصلة حالة التوتر الداخلي والخارجي، في ظل صعوبات اقتصادية ناجمة عن "كورونا"، فيما فوز بايدن، قد يعني مراجعة السياسة التي اتبعها سلفه، داخليا وخارجيا، بل ربما ان ما حققه من تطبيع بين إسرائيل ودول الخليج، قد ينهار، ان قامت إدارته بوقف المصادقة على بيع "إف 35" للإمارات، كما أشار كبير مستشاريه قبل أيام.
[email protected]
أضف تعليق