ترتقي الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجرى يوم غد إلى مستوى كلاسيكو سياسي، على غرار كلاسيكو الرياضة بين برشلونة وريال مدريد الإسبانيين.
هو حتى الآن كلاسيكو الأرض، كما درج المعلّقون الرياضيون على تسميته، لكن التنافس الشديد بين ترامب الجمهوري وبايدن الديمقراطي، يمكن أيضاً اعتباره كلاسيكو الأرض طالما أن الولايات المتحدة لا تزال تقف على رأس القوة الدولية.
التنافس بين ترامب وفريقه، وبايدن وفريقه، يتسم بالصراع والحدّة بين منهجين إزاء كيفية المحافظة على المكانة الدولية للولايات المتحدة في ظل التقدم السريع للصين نحو إزاحة أميركا من على رأس النظام العالمي الذي سبق أن أعلن قيامه جورج بوش الأب العام 1991.
ترامب درج على شن حرب شرسة على المؤسسات الدولية، والقانون الدولي، وانقلب على حلفاء الولايات المتحدة التاريخيين، ونقصد الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن حربه المستعرة والمستمرة، ضد القوى الأخرى تحت مسمّيات الإرهاب.
حرب ترامب بدأت من الأمم المتحدة، وقراراتها وأنظمتها وآليات عملها وكان ذلك، عبر تصريحات وقحة صدرت عنه وعن ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة.
لم تكن الحرب الأميركية في الأمم المتحدة وعليها، محصورة بالقضية الفلسطينية رغم أنها حظيت أكثر من غيرها بتركيز شديد في تلك الحرب، بل امتدت، لتصل إلى المنظمة الدولية لتشغيل وإغاثة اللاجئين، واليونسكو، والمؤسسات الدولية العاملة في قطاع الإنسان، ومنظمة الصحة العالمية، بالإضافة إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ومؤخراً تطاول ترامب على منظمة هيومان رايتس الأميركية، ومنظمة العفو الدولية، اللتين وصفهما بمعاداة السامية.
وفي تعامله مع الدول العربية الموالية، والأميركية اللاتينية، اتبع منهج الابتزاز، والقهر، والضغط من أجل الإخضاع بعيداً عن آليات الشراكة وقيمها وكان الهدف ليس فقط تقديم أقصى الدعم للمشروع الصهيوني وإنما خدمة المصالح الأميركية.
فرض ترامب على الدول الغنية، خصوصاً العربية «خاوة عينك عينك» وأرغمها على القبول بخارطة طريقه المسماة صفقة العصر، وعلى أن تخضع للشروط والمصالح الإسرائيلية من خلال عمليات تطبيع مهينة، وعلى التحول عن دعم القضية الفلسطينية أو حتى التمسك بالقرارات التي اتخذتها القمم العربية.
ترامب عمل على تجفيف الحقوق الفلسطينية، ومصادر دخل السلطة وحتى المساعدات الإنسانية وغير الإنسانية التي كان يتلقاها المجتمع الفلسطيني، ومنح إسرائيل كل الدعم، وليس فقط الضوء الأخضر لكي تواصل استراتيجياتها وأهدافها الصهيونية القائمة على العدوان واستمرار الاحتلال والتوسع.
إسرائيل اليوم في أفضل حالاتها، تنتفخ بصورة غير منطقية، وقد أصبحت تتحكم في مفاصل استراتيجية في الإقليم، وفي إفريقيا، فيما تواصل إدارة ترامب تقديم المكافآت لها، وتقديم كل أشكال الدعم العسكري، والاستخباري والأمني، لكي تصبح دولة إقليمية عظمى.
ربما كان ضعف الأداء العربي والفلسطيني سبباً في تغول إدارة ترامب على القرارات الدولية الخاصة بفلسطين، ونسف كل إمكانية لتحقيق سلام قائم على رؤية الدولتين، أو حتى إسهام قوى دولية أخرى في متابعة هذا الملف، وربما كان ذلك أيضاً بسبب عجز القوى الدولية الكبرى عن حماية القرارات الدولية، ولكن كل ذلك يعود بالأساس إلى رؤية أميركية استعمارية فظة ومتوحشة.
إذا كان هذا هو حال الإدارة الأميركية في زمن ترامب، الذي بالإضافة إلى ذلك أجج الصراع العرقي في الداخل الأميركي، وأظهر عنصرية فاضحة، في التعامل مع الملونين من الرعايا الأميركيين، فإن بايدن في حال فوزه، هو سيكون رئيس الولايات المتحدة التي يعرفها العالم منذ زمن طويل.
بايدن لن يكون اشتراكياً، ولن يكون ديمقراطياً في التعامل مع الدول الأخرى، ومن يراهن على أميركا مختلفة جذرياً عليه أن يتذكر الفترات التي حكم فيها رؤساء ديمقراطيون، وآخر من نتذكره منهم بيل كلينتون وأفضلهم باراك أوباما.
ثمة تفاوت في حماسة الرؤساء الأميركيين لتبني ودعم إسرائيل العدوانية، ولكنهم جميعاً يتسابقون على الفوز بجائزة أيهم الأكثر سخاءً.
التنافس بين الرؤساء والإدارات الأميركية، محكوم لفكرة ما هو الأفضل لاستمرار إسرائيل وحمايتها وتعزيز مكانتها وقوتها وتفوقها، فمن يدعي منهم موافقته على حل الدولتين، فذلك لأنه يجده الأفضل بين الخيارات المطروحة من أجل إطالة عمر المشروع الاستعماري الدولي المعروف باسم إسرائيل.
أوساط بايدن تقول في سياق حملته الانتخابية، إنه سيعود ويدفع مساهمات الولايات المتحدة لـ»الأونروا»، وسيعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس. وسيواصل العمل من أجل تسوية قائمة على رؤية الدولتين، وسيسمح بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وهو قد أبدى معارضته لسياسة الضم، ولصفقة ترامب. ولكن هل سيلغي بايدن في حال فوزه القرارات والإجراءات السياسية التي فرضها ترامب وأصبحت وقائع على الأرض، وهل يملك الإرادة الكافية، لشق طريق جديد بالتعاون مع شركاء دوليين، لتقديم معالجات لعملية سلام قائمة على رؤية الدولتين، أم أنه في أحسن الأحوال سيعود إلى ما سبقه إليه رؤساء آخرون ونقصد إدارة الأزمة وليس حلها؟
هل علينا أن نعود للتذكير بمحاولات الرئيس باراك أوباما، ووعوده في قاعة جامعة القاهرة، وتعيينه جورج ميتشيل مبعوثا خاصا، لوقف الاستيطان ومحاولته المزاوجة تحت ضغط إسرائيل بين أولوية السلام ومقاومة البرنامج النووي الإيراني؟
صحيح أن أوباما سمح بتمرير قرار رقم (2334) في مجلس الأمن الذي يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان واعتباره غير شرعي، ولكن ذلك القرار تحول كما غيره إلى الأرشيف خلال وقت قياسي من فوز ترامب بالرئاسة.
ليس هدف هذا الاستعراض المعروف، أن نصل إلى مفاضلة بين هذا أو ذاك، وإنما لاستخلاص الدرس الأساسي، وهو أن الحراك الداخلي الفلسطيني نحو المصالحة، والانتخابات والشراكة، لا ينبغي أن يكون معلقاً ومرهوناً في انتظار نتائج الانتخابات المركزية.
إن كان الأمر كذلك وهو كذلك، كما يبدو، فإن الانتخابات والحراك الفلسطيني الإيجابي، وإعادة بناء الحالة الفلسطينية، أمامها فقط فرصة واحدة وهي فوز ترامب، أما إذا فاز بايدن فإن المياه الفلسطينية من الأرجح أن تعود إلى مجاريها السابقة قبل اجتماع الأمناء العامين، ما يدعو للأسف، لأن ذلك يعني أن الإرادة الفلسطينية مرهونة لعوامل خارجية، ولحسابات فئوية.
[email protected]
أضف تعليق