في كلمته أمام مجلس الأمن أمس، قال وزير الخارجية رياض المالكي، إن دعوة الرئيس محمود عباس للمؤتمر الدولي، هي محاولة أخيرة لإثبات الالتزام الفلسطيني بالسلام، وذلك على أساس الاحتواء وليس الإقصاء، حيث من الواضح بأن ما احتوته الكلمة يعبر عما يعتري الصدر الفلسطيني من ضيق ومن كدر، ناجم عن صعوبة اللحظة الراهنة، التي اندفعت خلالها الهمجية الإسرائيلية/الأميركية مستندة لحالة تهالك سياسي عربي/خليجي، وله في ذلك كل الحق. لكن في حقيقة الأمر، فان الالتزام الفلسطيني بالسلام، هو التزام استراتيجي، وحين تقاتل فلسطين ضد الاحتلال فهي تقاتل من اجل السلام، وهذه اللحظة ما هي إلا عابرة.
في حرب العام 1967، طار عقل إسرائيل انتشاءً بنصر سهل تحقق خلال بضع ساعات على دول الجوار العربية الثلاث، وكان من نتيجته ان احتلت إسرائيل من أرض العرب أضعاف ما احتلته منذ عام 1948، حتى ذلك العام، وهذا ما دفع بوزير دفاعها قائد نصر حزيران، موشي دايان لأن يذهب بجيشه بعد ذلك بتسعة اشهر فقط، الى معركة الكرامة كما لو كان في نزهة، لكن المفاجأة كانت في أن ألحق ثلاثمئة فدائي فلسطيني بجيشه الهزيمة النكراء، وهكذا تم تدشين فصل جديد من الصراع بين الحق والباطل، بين المجرم الإسرائيلي والضحية الفلسطينية.
إن كلمات معظم أعضاء مجلس الأمن، ومجلس الأمن ليس هو الجمعية العامة، التي كانت مع حل الدولتين ومؤيدة لفكرة عقد المؤتمر الدولي للسلام، مشجعة للغاية، وهي تعني بأن حالة الانفضاض عن الاحتلال الإسرائيلي تتسع، لتشمل معظم دول العالم، او معظم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، باستثناء أميركا، وهذا تطور بالغ الدلالة والأهمية، فلم يعد مجلس الأمن منقسماً حول المسألة الفلسطينية بين طرفين، يمثل احدهما روسيا والصين، والثاني فرنسا وبريطانيا واميركا، بل باتت أميركا وحدها في طرف والآخرون في طرف آخر.
لكن ذلك لا يكفي، فلا بد من سعي حثيث لعقد المؤتمر الدولي، او بمعنى آخر، نقل الملف الفلسطيني ليصبح في عهدة المنظمة الدولية أو المجتمع الدولي، وهذا يتطلب مواصلة الكفاح الدبلوماسي بكل هذا التعقل، وهذا الإصرار مسنوداً برافعة سياسية محلية، ثم إقليمية، وبرافعة ميدانية شعبية، ومع ان الصورة تبدو اليوم قاتمة بعد ان نجح ثنائي الجور العالمي ترامب/نتنياهو في دفع دول الهشاشة السياسية وترف المال للخروج من دائرة الإسناد العربي للحق الفلسطيني، إلا ان الضوء في آخر النفق يبدو ظاهراً لمن يرى عن بعد، كما اعتاد الزعيم الراحل ياسر عرفات القول في أحلك الظروف واللحظات.
فالنجاح الإسرائيلي المتحقق معلق بشخص ترامب ونتنياهو، وهما مسؤولان يهتز عرشهما، وربما بعد أيام قليلة يخرج ترامب من البيت الأبيض، ومن ثم يلحق به شريكه في رعاية جريمة آخر احتلال في العالم الى مزبلة التاريخ.
المهم في الأمر أن على القيادة الفلسطينية أن تتحلى اولاً برباطة الجأش، كما هو عهدها تاريخياً، ومن ثم بالواقعية، ولا بد ان تعيد ترتيب حساباتها، ولا تبقى رهينة الحسابات السابقة، خاصة فيما يخص العالم الرسمي العربي في الصراع، اي لا بد ان تأخذ بعين الاعتبار واقع ما بعد التطبيع، وتبني استراتيجية المقاومة والمواجهة القادمة، التي لن تتوقف إلا بعد ان يحقق الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله، بما في ذلك إعادة ترتيب الهيكل التنظيمي للمواجهة، بزج دماء وكوادر جديدة في طريق المواجهة الميدانية، بعد ان تغير العالم وتغيرت الأدوات كثيراً، بما يخص ثورة الاتصالات وجيل الإنترنت.
ربما لا يكون ذلك بيد القيادة الحالية، لكن يمكنها ان تفتح الباب وتشجع التجديد، ومن الطبيعي تعديل المواقف، ومنها ان عقد المؤتمر الدولي، يمكنه ان يناقش كل الأفكار والاقتراحات السياسية، والتعديلات حتى على ما سبق واتفق عليه، وإلا كيف يطالب الجانب الفلسطيني نفسه بتعديل ميثاق باريس الاقتصادي واتفاق أوسلو نفسه.
يمكن مثلا للجانب الفلسطيني وهو يؤكد موقفه الثابت بالحل السياسي المستند للشرعية الدولية، ان يعلن قبوله بما يجمع عليه المجتمع الدولي، وان يعتبر الحل ليس ما يقبله الطرفان، حيث أثبتت تجربة التفاوض الثنائي استحالة ان يتوافق الطرفان على حل يقبلانه كلاهما، بموافقته على حل دولي يقبله المجتمع الدولي، وذلك لأنه يعرف سلفاً بان المجتمع الدولي لن يقبل حلاً يتعارض مع القانون الدولي.
اي في مواجهة تكتيك العدو الذي يطالب بالتفاوض الثنائي وقبول ما يقبله الطرفان، يمكن للجانب الفلسطيني ان يطرح العكس، وهو ان فلسطين تقبل ما ينجم عن رؤية الرباعي الدولي والأمم المتحدة للحل .
غير ذلك فان المنطقة ستنفتح بعد وقت قصير على صراع إقليمي على النفوذ الذي لن يقتصر على سورية والعراق، ليبيا واليمن، بل سيصل الى الخليج العربي، حيث المال والنفط والغاز، كذلك هناك المعابر والمضائق المائية الإستراتيجية، وإسرائيل تدرك جيداً، بانه لن يكون في مقدورها ان تحقق أطماعها الإقليمية وخاصرتها ضعيفة، اي لا يمكنها ان تندفع خارج الديار، وفي البيت توجد قنبلة موقوتة، لذا فهي تحرص على «فرض» الحل الاحتلالي على الشعب الفلسطيني، حتى تندفع باتجاه الخليج وسورية والعراق، لتواجه إيران وربما تركيا، وما الدفع بطائرات إف 35 للإمارات وقطر واليونان إلا دفع بهذا الاتجاه.
تحتاج إسرائيل ومعها اميركا ترامب الى حل ما للملف الفلسطيني، وقطع الطريق عليها أو فرض تغيير على تصورها للحل بإطار خطة ترامب، هو تحريك الشارع الفلسطيني، أما صمته الحالي، فيخلق الوهم بإمكانية تمرير خطة ترامب، كما ظهر وهم مبادرة روجرز بعد عام 67، التي قبرتها معركة الكرامة، بحيث يمكن القول بان تحركا شعبيا قويا يمكنه ان يقلب طاولة ترامب/ نتنياهو رأساً على عقب.
[email protected]
أضف تعليق