ما تنشره وسائل الإعلام الإسرائيلية حول تقديرات بتسخين جبهة الاحتلال مع قطاع غزة والتي تقدّر أنّها ستندلع أواخر الشهر الجاري، وبالتوازي مع تدريبات ومناورات مكثّفة يجريها جيش الاحتلال قبل أيّام في قاعدة تساليم إلى الشرق من مدينة خان يونس، وتهديدات من قِبل قادة جيش الاحتلال، كل ذلك يوفّر إشارات بأن هناك مزيداً من القلق الناجم عن عوامل قد تؤدي إلى هذا التسخين الذي قد يتدحرج إلى تصعيد ومن ثم إلى حربٍ واسعة بالنظر إلى توفّر ظروف ناجمة عن الأزمات الاقتصادية التي تواجه مواطني قطاع غزّة، خاصة في ظل تفاقم جائحة الكورونا وتفشيها، لذلك تعتقد المستويات الأمنية والسياسية في إسرائيل بأن تخطي هذه الاحتمالات بالتسخين والمواجهة ممكن فقط من خلال معالجة هذه الأزمات، إذ تبدو دولة الاحتلال وكأنها أكثر حرصًا على معالجتها نظرًا لانعكاساتها وتأثيراتها المباشرة على توفير عناصر التسخين للمواجهة التي تحاول تلافيها في الوقت الراهن على الأقل، مع ذلك فإن الجيش الإسرائيلي يضع في حساباته احتمالات وسيناريوهات في حال فشلت هذه المعالجات، الأمر الذي يؤدي إلى تسخين ومواجهة، من هنا يمكن تفسير ما أوردته القناة 12 العبرية مُؤخرًا من أن المنظومة الأمنية الإسرائيلية تجري مباحثات مع قيادات سياسية في دولة قطر لضمان مواصلة الدعم المالي القطري وأن رئيس الموساد يوسي كوهين شخصيًا يقود هذا المسعى بهذا الشأن.
احتواء احتمالات التصعيد من خلال معالجة الأزمات الاقتصادية في القطاع يتوازى كما أشرنا مع استعدادات إسرائيلية لمواجهة كافة الاحتمالات في حال فشل هذه الجهود، وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس يوجّه رسالة مصوّرة لمواطني قطاع غزة في اختتام جلسة تقييم حول الأوضاع على الحدود مع القطاع بمُشاركة رئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي وقائد المنطقة الجنوبية هرتسي هليفي وقائد فرقة غزة العميد نمرود ألوني، وتضمّنت هذه الرسالة تهديدات مباشرة من أن أي تصعيد قادم سيواجه بضربة قاصمة، مشيرةً بشكلٍ غير مباشر إلى احتمالات القيام بعمليات اغتيال، وذلك بالترافق مع تسريبات عن هذا الاجتماع بإدراج برنامج مناورات عسكرية يقوم بها جيش الاحتلال على مشارف قطاع غزة، بما في ذلك تجريفات لأراضي القطاع على الحدود مع غلاف غزة في وقتٍ يعزّز فيه الجيش الإسرائيلي منظومة القبة الحديدية، كل ذلك يجري مع تجاهل جيش الاحتلال لمطالب حركة حماس بتجديد المشاريع المدنية في قطاع غزة، خاصة في مجالي المياه والكهرباء وفقًا لتوافقات التهدئة التي جرت بوساطة مصرية، في حين تشترط دولة الاحتلال التقدّم في صفقة من شأنها إعادة جثامين وأسرى الاحتلال لدى الحركة للوفاء بالتزامات التهدئة.
ورغم أن الاحتلال يحاول التركيز على الجانب الاقتصادي كمسبب للمواجهة من جانب المقاومة، فإنه بذلك يتجاهل متعمدًا إمكانيات التصعيد من قِبله مستثمرًا عدّة عوامل قد تشجعه على القيام بمغامرة جديدة مع قطاع غزة، مستفيدًا من عملية التطبيع العربية الجارية مع دولة الاحتلال والتي من شأنها أن تسهم في الانفراد بالوضع الفلسطيني بما في ذلك تصعيد عسكري على القطاع، يضاف إلى ذلك أن الأزمة السياسية التي تتفاقم يومًا بعد يوم لدى الحكومة الإسرائيلية، وهي أزمة غير مسبوقة والتي يقف نتنياهو عاجزًا عن معالجتها، ما قد تدفع به إلى تصديرها من خلال افتعال تصعيد قد يتدحرج إلى حربٍ أوسع مع القطاع.
إلّا أنّ ما قد يدفع نتنياهو إلى الاقدام على مثل هذا التصعيد وربما حرب أوسع على القطاع يتلخص في محاولة اختراق الأجواء الإيجابية التي تسود العلاقات الفلسطينية الداخلية، الأمر الذي يهيئ إلى التوصل إلى توافقات داخلية فلسطينية تنهي حالة الانقسام واستعادة الوحدة، ما يُشكّل إمكانيات فلسطينية أكبر تجنّد في المواجهة وعلى الأخص تحدي صفقة القرن، بما فيها خطة الضم وتحدي خطط التطبيع العربية، إن دخول الاحتلال على هذا الخط من خلال افتعال تصعيدٍ واسع، يجب أن ينبّهنا إلى أنّه العامل الأهم الذي قد يدفع بنتنياهو على الإقدام على هذه المغامرة.
[email protected]
أضف تعليق