الانتفاضة قرارٌ شعبيٌّ، لا زمانَ محدداً لاندلاعها، لكن لها علامات ومؤشرات، نستطيع عبرها أن نقول إنها مقبلة لا محالة؛ لأن الخيارات الأخرى أمام الشعب الفلسطيني لم تعد قائمة.
مرّ أكثر من عقد على انتفاضة الأقصى، وسبقتها هبة الأقصى والنفق بسبع سنوات، وقبلها بعقد اندلعت الانتفاضة الأولى، أو الملحمة الشعبية الفلسطينية.
في الثامن من كانون الأول من العام ١٩٨٧ كانت المفاجأة غير المتوقعة، وطوفان الاحتجاجات والتظاهرات الذي عم كل شارع وزقاق على طول الأراضي الفلسطينية وعرضها، بما فيها أراضي العام ١٩٤٨.
في لحظة حاسمة لم تعد فلسطين التاريخية قادرةً على الاحتمال، فاندفعت كالسيل الجارف الذي يدهم بتوقيت غير متوقع، وجاءت ثورة الحجارة، عقب حادث سير قرب حاجز بيت حانون. سبب لا وزن له، لكنه أشعل فتيل ضغوط تراكمت على مدار سنوات طويلة.
عوامل الانفجار تمثلت في سياسات الاحتلال القمعية ومنها الاعتقالات اليومية والتنكيل بالشباب.. هل تذكرون قوات الاحتلال وهي تجوب شوارع بير زيت قبل ذلك بأشهر وتخرج الطلبة من أماكن سكناهم، وتطلب من بعضهم أن يصفعوا بعضهم بعضاً، أو أن ينادوا بأعلى الأصوات كأنهم بائعو خضار؟ هل تذكرون الإجراءات القمعية في شوارع قطاع غزة؟ هل تذكرون سياسة الاستيطان والإرهاب الإسرائيلي الذي طال أكثر من منطقة وخاصة المسجد الأقصى؟
خلقت الاعتداءات الإسرائيلية تراكمات كانت بمثابة بارود ضغط في مكان ضيق، ولهذا جاء الانفجار بأضعاف قوة ضغط الاحتلال.
اليوم يفصلنا عن انتفاضة الأقصى نحو عقد ونصف من الزمن، وهذه الفترة الأطول التي نشهد فيها هدوء ما قبل العاصفة.
وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس حذر، منتصف الأسبوع الماضي، من انتفاضة جديدة تحت مسمى الضغوط الاقتصادية والضائقة التي يمر بها الفلسطينيون، ليس بيني غانتس وحده من يحذر، فالمخابرات الإسرائيلية حذرت أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية من أن الأوضاع الفلسطينية تغلي.
اليوم نستطيع التأكيد أن الانتفاضة الثالثة مسألة وقت لأننا نعيش علاماتها؛ العلامة الأهم هي الضغوط التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من كل جانب داخلياً وخارجياً، بحيث لم يعد أحد قادراً على تحمل المزيد منها، ليست الضغوط الاقتصادية أو المالية فقط، ولكن الجرائم الإسرائيلية، وعلى رأسها الاستيطان، فنحن نرى هجمة إرهابية استيطانية بلا حدود مدعومة من الحكومة والأحزاب الإسرائيلية، ومن مسؤولين أميركيين على رأسهم السفير الأميركي في إسرائيل وجاريد كوشنير مستشار الرئيس الأميركي.
ومن علاماتها إجراءات الهدم غير المسبوقة في تاريخ الاحتلال، والأرقام تشير إلى أن ما هدمته قوات الاحتلال خلال العام ٢٠٢٠ ونحن في ربعه الثالث أكثر من الذي هدم في سنوات سابقة مجتمعة، الهدم يومياً وفي كل المناطق ووصل الأمر بالاحتلال إلى أن يجبر أصحاب العقارات في القدس المحتلة على هدمها بأيديهم، هل هناك إذلال أكثر من هذا؟؟؟
ومن علاماتها حملات الاعتقال اليومية التي تطال الشبان الفلسطينيين والاعتقالات الإدارية، وفرض المزيد من الإرهاب والضغط على الأسرى وسحب الامتيازات النضالية منهم، واقتحامات المدن والقرى والمخيمات وتخريب المنازل وترويع الأطفال والنساء.
ومن علاماتها الإذلال اليومي لآلاف العمال على الحواجز وفي أماكن إقامتهم في الداخل، حيث تتم معاملتهم على أساس أنهم من الدرجة العاشرة أو كأنهم ليسوا من بني البشر.
ومن علاماتها الضغط والإذلال السياسي للقيادة الفلسطينية، والقيادة ليست معزولةً عن الشعب على الرغم من الامتعاض وعدم الرضا عن كثير من قراراتها أو أخطائها، ومحاولة حكومة الاحتلال وعرابيها الأميركيين تركيع الشعب الفلسطيني من خلال التجويع والحصار.
ومن علاماتها تواصل مسلسل تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» وتحويل عشرات آلاف اللاجئين في لحظة ما إلى قنابل موقوتة، فقرار تصفية الوكالة مرحب به إسرائيلياً بل هو مطلب نتنياهو وزبانيته، ولكن العواقب لم يبحثوها بشكل مستفيض. هم يحشرون اللاجئين في أقفاص، ولكن القطة لحظة حشرها تصبح أسداً؟!!
ومن علاماتها استمرار حصار قطاع غزة بطريقة لم يشهد التاريخ حالة مماثلة لها، ومن علاماتها سرقة المياه وتعطيش المواطنين، ومزروعاتهم ومواشيهم، فالاحتلال يسرق مياهنا ثم يبيعنا هذه المياه بكميات محدودة في الوقت التي تنعم فيه المستوطنات بمياهنا دون حدود.
ومن علاماتها ما بدأ يتبجح به نتنياهو بمبدأ السلام مقابل السلام، وكأنه يمن على الفلسطينيين والعرب بأن دولة الاحتلال تقبل أن تمنحهم السلام أو الاستسلام في حقيقة الأمر.
ومن علاماتها الاعتداءات على المقدسات، وعلى رأسها المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي الشريف وفرض التقسيم الزماني والمكاني في سابقة أكثر من خطيرة.
ومن علاماتها استمرار مسلسل تدفيع الثمن من مجموعات استيطانية إرهابية وتخريبها الممتلكات الفلسطينية وحرق الحقول واقتلاع أشجار الزيتون وصب مياه الصرف الصحي في الحقول الزراعية.
ومن علاماتها أيضاً انتظار شعلة إسرائيلية لبرميل البارود الفلسطيني، وقد يكون عود الثقاب الاحتلالي ساذجاً بحث لا يتوقع أحد أن يتسبب بانفجار البرميل المضغوط، لكل هذه الأسباب وغيرها الكثير، الانتفاضة الثالثة مقبلة، ليست من صنع مسؤولين ولا من صنع لجان، ولا من صنع حكومة.. ولكنها من عنفوان وكبرياء هذا الشعب وتأكيده للمرة المليون أنه الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه، وما نراه اليوم ونشاهده في الزمن الرديء ما هو إلا كزبد السيل لا قيمة له والتاريخ سيشهد على ذلك؟!!
[email protected]
أضف تعليق