منظمة الصحة العالمية تحذر في آخر بياناتها من تسارع انتشار «كورونا» في نصف الكرة الأرضية الشمالي مع اقتراب حلول موسم أنفلونزا الشتاء خلال أسابيع.
«الصحة العالمية» تلفت الانتباه إلى أن أعداداً متزايدة من الأشخاص بين (١٥ - ٤٥ عاماً) يدخلون أقسام الطوارئ في المستشفيات وهم أكثر عرضة للإصابة بالوباء، وباتت تحذر من أن «القادم أسوأ». وكثير من الدول بدأت إعداد خطط جديدة لمواجهة الوباء، لأن الأمر ليس عابراً يمكن تجاهله، إنه أرواح الناس واقتصادهم.
فلسطينياً بدأنا بقوة في مواجهة الوباء، وكنا كمن يدخل مضمار سباحة عالمي راكضاً، وضعنا كل قوتنا في نقطة البداية وخيّل إلينا أننا فائزون.. ولكن فجأة انقطعت أنفاسنا ولم نعد قادرين على المنافسة أو حتى على السير مع الركب العالمي.
عندما كنا نتحدث في الأسابيع الأولى عن إصابات من خانة واحدة، كنا نشعر بالخوف، كنا حذرين في كل تصرفاتنا، بل أكثر من ذلك أصبحت الإصابة وصمة اجتماعية كالمصاب بالجرب، حتى حادثة الدفن للوفاة الأولى كانت ذا وقع خاص.
إجراءات الإغلاق المشددة في البداية أثمرت على الرغم من أنها تسببت بضائقة اقتصادية كبيرة في ظل اقتصاد يتصف بالضعف، ولكن من أجل الصحة العامة تمت التضحية بجزء من النمو والرفاهية إن جاز التعبير.
ومع بداية الصيف، جاءت الكارثة، ضغوط من كل جانب على الحكومة لفتح الاقتصاد بشكل كامل، وعودة الأعمال، وفتح الصالات للأفراح والأتراح وحتى الرياضة.
دون مقدمات وجدنا أنفسنا في معركة خاسرة مع الوباء، فبدأت الأرقام ترتفع ليس من خانة واحدة وإنما من خانتين، وليس في محافظة واحدة بل في جميع المحافظات، حتى الخارطة الوبائية أصبحت معقدة واختلط الحابل بالنابل.
تدخّل الحكومة كان خجولاً، بالإعلان عن إجراءات وقائية أهمها التشديد على التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات وإغلاق الصالات والحد من الأعراس والمآتم، لكن غالبية الناس تجاهلتها، على الرغم من التحذير من إجراءات قانونية وعقابية ضد المخالفين.. ولكن العقوبات ظلت حبيسة الأدراج إلا في حالات نادرة لحفظ ماء الوجه.
بدت توجيهات الحكومة وكأنها من عالم آخر، وإجراءات الوقاية لم يعمل بها إلا نادراً، حتى في بعض المحافظات لم تعد هناك أي مظاهر تدل على الوقاية على الرغم من الارتفاع الهائل في عدد الإصابات.
في كل أسبوع ومن خلال بيانها الصحافي كانت الحكومة تؤكد على الإجراءات الوقائية محذرة من كارثة.. ولكن لا مستمع ونحن نسير بلا مبالاة غريبة نحو مناعة القطيع.
الأسبوع الماضي ذهبت ليلاً إلى محافظة الخليل، وهي الأعلى في عدد الإصابات بين المحافظات الأخرى والأكثر في عدد الوفيات، كانت حفلات الأعراس تقام في كل مكان، والاختلاط دون حدود، ولدى السؤال حول الأوضاع أكد الجميع أن الحفلات تقام في كل القرى والبلدات والمدينة، وأن الأمور «فالتة».
صباح يوم الجمعة، تفاجأت بأن صلاة الجمعة تقام داخل عدد من المساجد، وليس حسب تعليمات وزارة الأوقاف، بأن تقام الصلاة في الساحات، ما يدل على أن الإجراءات التي تطالب بها الحكومة ما هي إلا حبر على ورق، وأن الواقع على الأرض مغاير لها تماماً.
في أيلول الجاري ارتفعت عدد الإصابات لتصل إلى أربع خانات، أي بمعدل ١٠٠٠ إصابة في اليوم، وارتفع عدد الوفيات ليسجل قفزات كبيرة، فالأربعاء سجلت ١٥ حالة وفاة والعشرات في العناية المكثفة، بعضهم موصول بأجهزة التنفس الاصطناعي، طبعاً الأرقام الفلسطينية الرسمية تشير إلى الكارثة، وخبراء الصحة يؤكدون أن الإصابات الحقيقية هي أعلى بكثير، لأن الفحوص تُجرى لعدد محدود، وأن هناك كثيراً من الأطفال والشباب يصابون دون أن تظهر عليهم الأعراض ولكنهم ينقلون العدوى للآخرين.
أيضاً، وبشكل فجائي، وجدنا أن قطاع غزة غارق في الوباء، وأن السلطة هناك صدعت رؤوسنا خلال أشهر وهي تقول لا إصابات أو إصابات محدودة، وإجراءات الحجر تتم بنسبة ١٠٠٪، وهذا شجع سكان القطاع على التحرر من أي إجراءات وقائية، وفجأة وقع المحظور وبدأت الإصابات بالعشرات وأيضاً عدم القدرة على التحكم فيها أو الحد منها.
نحن عملياً ندور في فلك ١٠٠٠ إصابة يومياً لعدد سكان يبلغ نحو ٥ ملايين فلسطيني في الضفة والقطاع، في الوقت الذي وصلت فيه الإصابات يوم أمس (الخميس) في ألمانيا إلى نحو ٢٠٠٠ إصابة لعدد سكان يقارب ٨٥ مليون نسمة والإصابات في الصين أيضاً أمس وصلت إلى ٩ إصابات فقط لنحو ١،٥ مليار صيني، وفي المكسيك ٤٠٠٠ إصابة لعدد سكان يبلغ ١٣٠ مليون نسمة، وفي مصر ١٦٠ إصابة لعدد سكان يبلغ ١٠٠ مليون، وفي تركيا ١٧٠٠ إصابة لعدد سكان يبلغ ٨٢ مليون نسمة، وفي لبنان إلى ٦٣٤ إصابة لـ ٧ ملايين نسمة، وفي الأردن ما يقارب 250 إصابة لـ ١٠،٥ مليون أردني.
من خلال الأرقام التي سجلت أمس في معظم قارات العالم، يلاحظ أن الإصابات في فلسطين هي الأعلى، بل هي أضعاف عدد الإصابات في الدول المذكورة.
نحن الآن تجاوزنا ما بعد الخط الأحمر، وبتنا نتخبط، والكارثة قادمة، وإن لم يتم تطبيق القانون بصرامة، والمحاسبة، وتطبيق إجراءات الحكومة، بحذافيرها وعدم التهاون خاصة من المحافظين والأجهزة الأمنية، فإننا سنجد أنفسنا نركض بجهل وغباء نحو مناعة القطيع وعندها سنغرق وسنحاول التمسك بقشة، ولكن تذكروا أن العالم بمن فيهم الأقربون يديرون لنا الظهر؟!!!
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]