من تطبيع إلى تطبيع آخر، هذه المرة تطبيع اقتصادي بين دولتين لا تعترفان ببعضهما البعض هما صربيا وكوسوفو، جمعهما الرئيس الأميركي قبل أسبوع في البيت الأبيض ونجح في توقيع رئيسيهما على تطبيع العلاقات الاقتصادية فيما بينهما، وأكثر ما في هذا التطبيع من غرابة، أنه تم ضم إسرائيل إليه، ما فتح المجال أن يهدي ترامب إلى نتنياهو قرار الدولتين (صربيا وكوسوفو) لإقامة علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل ونقل سفارتيهما إلى القدس المحتلة، ومسلسل الغرائب ما زال مستمراً إذا ما عرفنا أنّ إسرائيل لا تعترف بدولة كوسوفو ورفضت حتى الآن إقامة علاقات ديبلوماسية معها بسبب رفض صربيا التي لا تعترف بانفصال كوسوفو عنها، إلاّ أن خبراء الديبلوماسية في إسرائيل يبررون عدم إقدام إسرائيل على الاعتراف بكوسوفو يعود إلى أنها لا تريد أن تسجل سابقة بالاعتراف بدولة من خلال إعلان من جانب واحد، والمقصود هنا استقلالها عن صربيا، حتى لا يُشكّل هذا الاعتراف سابقة للاعتراف بدولة فلسطين، عدة دول أوروبية لا تعترف كذلك بكوسوفو اسبانيا ورومانيا واليونان وقبرص وسلوفاكيا الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وكذلك كل من روسيا والصين، الأمر الذي أغلق الباب أمام انضمام هذه الدولة التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة ومعظمهم من المسلمين من أصول ألبانية إلى الأمم المتحدة، وأكثر من ذلك، فإن هناك حالة من النزاع بين صربيا وكوسوفو ما زال مستمراً منذ أكثر من عامين، الأمر الذي يشكل خطراً على استقرار القارة الأوروبية، ذلك بعد أن أسفر هذا النزاع المسلّح عن ثلاثة عشر ألف قتيل.
هذا عن كوسوفو فماذا عن صربيا؟ الصور والفيديوهات التي نشرتها وسائل الاعلام الأميركية تكاد تلخص حال هذه الدولة ورئيسها الكسندر فونتتس، خلال اجتماعه مع الرئيس ترامب في البيت الأبيض يظهر من خلالها الرئيس الصربي جالساً قبالة ترامب على مقعد وكأنه طالب في حالة تقديمه لامتحان شفوي، إذ لا طاولة أو مكتب أمامه، أو ربما مثل طالب وظيفة يلتمس عملاً ويرد على استجواب ترامب، بينما يظهر فيديو آخر وهو يجلس هذه المرة بجانب ترامب ولكن على طاولة صغيرة منفصلة ملاصقة لمكتب ترامب الوثير، أكثر من ذلك عندما تحدث ترامب عن موافقة الرئيس الصربي على نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة أخذ هذا الأخير يفتش في الأوراق التي أمامه، حيث ظهرت قسمات وجهه تعبّر عن المفاجأة والدهشة والاستغراب، وقد فسّرت الصحافة الأميركية ذلك أنّ الرئيس الصربي ربما يكون قد وقّع على أوراق تضمن ما لم يوافق عليه، وفي تفسير آخر لهذا المشهد أن الرئيس الصربي رفض نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة إلا في تموز القادم، ما يشكل إهانة في نظر ترامب، ذلك أن هذا التأجيل يعني أن الرئيس الصربي يتشكك في إمكانية فوز ترامب في انتخابات لولاية رئاسية ثانية، الأمر الذي استدعى هذا التأجيل واستدعى في المقابل الإهانة من قبل ترامب.
الأمر معكوس في هذا التطبيع، فإسرائيل هي التي كانت ترفض الاعتراف بكوسوفو وليس العكس، وترامب في هذا السياق فرض على نتنياهو العودة عن قرار عدم الاعتراف بكوسوفو، ما يسجل لصالح هذه الأخيرة وليس العكس.
أمّا في حالة صربيا، التي تنشد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فإنها من خلال تعهدها بنقل سفارتها إلى القدس المحتلة تخالف بذلك موقف الاتحاد الأوروبي المتمسك بحل الدولتين مع القدس عاصمة لكلتيهما، ويشترط على الدول المرشحة للانضمام إليه اعتماد هذه السياسة، ما يضع عقبة إضافية أمام قبول صربيا في الاتحاد الأوروبي. وهذا ما يفسر تصريح الناطق باسم وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل من أنّ كل مسعى ديبلوماسي يعيد النظر في موقف الاتحاد الأوروبي الموحّد من القدس هو مصدر أسف وقلق، ولهذا أيضاً لم يجد نتنياهو تبريراً لعودة حكومته إلى الاعتراف بكوسوفو سوى أنها أول دولة ذات أغلبية إسلامية تقرر التطبيع مع إسرائيل.
[email protected]
أضف تعليق