بعد ثلاثة أسابيع بالتمام والكمال، سيجتمع مجلس جامعة الدول العربية، في دورته العادية، ليبحث تداعيات الاتفاق الثلاثي بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بالرعاية الأميركية، وذلك على مستوى مندوبي الدول الأعضاء، وهم بالطبع أقل مستوى من وزراء الخارجية، وهذا أمر له دلالة سياسية، ذلك ان المجلس كان قد رفض طلب دولة فلسطين، عقد اجتماع طارئ، لبحث إعلان الاتفاق الإماراتي/الإسرائيلي حين أُعلن في الثالث عشر من الشهر الماضي.
واجتماع المجلس بالمندوبين يسبق اجتماع وزراء الخارجية الذي سينعقد يوم الأربعاء القادم، أي بعد اجتماع المندوبين بثلاثة أيام، بعد ان يكون اجتماع المندوبين قد حدد بنود جدول أعمال اجتماع وزراء الخارجية، حيث بالطبع لن يقتصر الأمر على بحث فقط الاتفاق الإماراتي/الإسرائيلي، وهكذا تكون عملياً جامعة الدول العربية، قد أعلنت نصف الموقف من الاعتراف الإماراتي المنفرد بإسرائيل، وتوقيع اتفاق تعاون يشمل مجالات الأمن والاقتصاد والتمثيل الدبلوماسي، خارج إطار المبادرة العربية، ودون أدنى تنسيق مع دولة فلسطين، بل وحتى خارج اطار مجلس التعاون الخليجي.
اختيار فلسطين لتكون رئيس الدورة العادية، كان بمثابة جائزة ترضية، لكن مرور كل هذا الوقت، يعني مناقشة الموضوع، بعد ان تكون ردود الفعل قد هدأت، وبعد أن زار الوفد الإسرائيلي ابو ظبي بشكل علني ومعلن هذه المرة، أي أن جامعة الدول العربية، التي تتخذ عادة قراراتها بالتوافق، والإجماع وليس بالأغلبية، حين يناقش مندوبوها ووزراء خارجياتها الاتفاق ستناقش أمراً واقعاً، وليس أمراً هناك نية في إعلان التوصل إليه، لذا ليس هناك توقع ولا بنسبة واحد بالمئة، ان يكون رد فعل الجامعة العربية على الاتفاق الإماراتي/الإسرائيلي، مشابهاً مثلاً لاتفاق كامب ديفيد بين مصر/السادات وإسرائيل/بيغين برعاية أميركا/كارتر .
مع ذلك متوقع أن تبيع الجامعة فلسطين كلاماً مشابهاً لما أعلنه الشيخ محمد بن زايد نفسه على لسان اخيه وزير الخارجية الشيخ عبد الله، من ثبات الموقف العربي المؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني، ومعارضة الضم، دون صفقة ترامب، وربما تقديم «جزرة» للفلسطينيين، تتمثل في التغطية المالية، حتى تبقى فلسطين عضوا في الجامعة التي نشأت مع ظهور القضية الفلسطينية، دون أن تنجح في وضع حل لها، بل ظلت إطاراً مانعاً لتحقيق الكثير من طموحات الأمة العربية، وان كانت نجحت في الحفاظ على النظام الرسمي، رغم ما تخلل العقود الماضية من تباينات وحتى صراعات بين الأنظمة الجمهورية والملكية، او بين من كانوا يحسبون على حركة التحرر العالمي وعلى المعسكر الشرقي مقابل من كانوا يحسبون على الغرب.
في حقيقة الأمر أن تحولات كثيرة حدثت في الواقع السياسي العربي، بحيث تراجع نفوذ وتأثير دول كانت تعد شريكة في اتخاذ القرار القومي، في مقدمتها العراق وسورية، الى جانب مصر، وكانت تنسجم مع ما اجتاح المنطقة العربية من حركة تحرر من الاستعمار وحلفائه المحليين، لصالح دول المال الخليجي، وهذا ما يفسر عدم القدرة على اتخاذ قرار عربي مضاد للموقف الإماراتي، نظراً إلى أن الإمارات باتت مع السعودية وقطر تمثل التأثير الرئيسي في القرار الرسمي العربي.
وحيث ان القرار الرسمي العربي بات يبتعد كثيراً عن منطق التحرر من التبعية لأميركا، ويتعامل مع المصالح القومية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمنطق رأس المال، منطق الربح والخسارة، ارباح وخسائر الأنظمة والشركات وأصحاب رأس المال، فان الموقف العربي الرسمي بمجمله، بما في ذلك الاتجاه العام للجامعة، بات بعيداً جداً عن موقف الشارع العربي، الذي يتحسس جداً، إن لم يكن يرفض تماماً «تطبيع العلاقات مع إسرائيل، خاصة وهي ما زالت تحتل الأراضي العربية، ليس فقط الأرض الفلسطينية، بل الجولان ومزارع شبعا، وتهدد أكثر من بلد، من خلال التدخل العسكري المباشر والفج، في سورية ولبنان، بل ولا تخفي أطماعها، في معظم الدول العربية، من الشرق الخليجي الى الغرب المغاربي.
ويقيناً لو ان دولة عربية فقيرة، هي التي أقدمت على ارتكاب الجرم التطبيعي كما فعلت الإمارات لتعرضت للكثير من أشكال المقاطعة والضغط، وليس بعيداً عن الأذهان التدخل من قبل اكثر من دولة، خاصة من دول الخليج الغنية، في سورية وليبيا واليمن، دون حتى ان تغطي تدخلها بقرار عربي، ولو من باب المجاملة، بما يظهر المدى الذي استخفت به تلك الدول حتى بالجامعة العربية نفسها.
آن الأوان إذاً للقول بأن جامعة الدول العربية التي كانت لها صولات وجولات أيام عبد الناصر، لم تعد هي تلك الجامعة، التي تمثل بعداً قومياً للقضية الفلسطينية، وآن الأوان للتمييز بين النظام الرسمي والموقف الشعبي، حيث ان فلسطين ستظل الضمير الحي لحركة التحرر العربي، تفضح تهالك النظام الرسمي الذي يسير بسرعة واضحة هذه الأيام نحو نقطة الافتراق مع الشعوب العربية.
في حقيقة الأمر ليست الجامعة العربية وحدها هي التي تغيرت، بل العالم بأسره، قد تغير منذ انتهاء الحرب الباردة، ونشوء نظام أحادي القطب بزعامة الولايات المتحدة، التي سرعان ما سعت الى فرض هيمنتها بتصفية كل أنظمة الحكم المعادية او حتى غير الموالية لها، لكن ثلاثة عقود مضت، جرت فيها مياه كثيرة، بحيث صرنا على أعتاب نظام عالمي آخر، قد يكون متعدد الأقطاب، او قد يكون بزعامة أخرى، لذا فان حركة التحرر الفلسطيني، عليها ان تأخذ المتغيرات بعين الاعتبار، ليس من الناحية التنظيمية الداخلية وحسب، الخاصة بضم حركتي حماس والجهاد لمنظمة التحرير، ولكن أيضاً مراجعة دائرتي الأصدقاء والأعداء، فليس هنالك في السياسة ثوابت مطلقة، ولا بد من فتح الخطوط على المعارضة الشعبية العربية، وليس بالضرورة ان يبقى ترتيب دوائر الإسناد، العرب، المؤتمر الإسلامي، عدم الانحياز... كذلك لا بد من مراجعة أدوات تحقيق البرنامج الوطني لجهة اعتماد التعدد، فلا الكفاح السياسي وحده، ولا المقاومة المسلحة وحدها، يمكن اعتبارها شكلاً وحيداً للكفاح الوطني، والمهم ان يكون الطابع الشعبي هو المحور الرئيسي داخلياً وخارجياً، فالغلبة في نهاية الأمر للشعوب.
[email protected]
أضف تعليق