الإمارات ليست الدولة العربية الوحيدة التي أقامت وستقيم علاقات دبلوماسية وتطبيعاً كاملاً مع إسرائيل، لقد سبقتها إلى ذلك جمهورية مصر العربية في ظل اتفاق كامب ديفيد، والأردن من خلال اتفاقيات وادي عربة، لكنها (الإمارات) الدولة العربية الوحيدة حتى الآن التي تقيم مثل هذه العلاقات في ظل مبدأ نتنياهو «السلام مقابل السلام» وليس «السلام مقابل الأرض» كما هو الحال مع اتفاقيات كل من مصر والأردن، وهي الدولة العربية الوحيدة التي تصل إلى هذه الخطوة من دون أن يكون لها حدود مع دولة الاحتلال، وهي كذلك الأولى التي لم يكن بينها وبين إسرائيل حالة حرب مباشرة، كما أنها الدولة العربية التي تقيم علاقات كاملة على مختلف المستويات من دون أن تكون بحاجة إلى ذلك من الناحية العملية؛ فهي دولة غنية بل بالغة الثراء بإمكانها أن تشتري كل شيء بما في ذلك أحدث التقنيات والاختراعات، وقد فعلت ذلك بنجاح من خلال شرائها كافة ما تحتاج إليه من تطبيقات تقنية من المنابع والشركات الإسرائيلية، بما في ذلك التطبيقات الخاصة بالتجسس على المواطن من دون الحاجة إلى إقامة علاقات دبلوماسية وتطبيعية كاملة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
لهذا، يعتقد البعض أن الإمارات وصلت إلى هذا التطبيع الكامل بهدف حمايتها من أخطار خارجية كتهديد إيراني محتمل ومتخيّل، أو في مواجهة حراك شعبي داخلي يهدد نظامها السياسي، إلا أن ذلك لا يشكل مصلحة خالصة لنظام أبو ظبي؛ لأن حمايته مضمونة من خلال تبعيته المطلقة للولايات المتحدة، ولأنه كان ولا يزال وفي ظل كل الإدارات الديمقراطية والجمهورية تحت الحماية الأميركية الكاملة. وأميركا موجودة في الخليج العربي براً وبحراً من خلال قواعدها العسكرية المنتشرة على بره وبحره، ما يكفل توفير هذه الحماية للإمارات ولكافة الأنظمة في الخليج العربي، أمّا تكدّس الأسلحة الأميركية في هذه المنطقة التي تتزود بها دولها فإنها الشكل الذي يحول به البترودولار إلى الولايات المتحدة مقابل هذه الحماية.
لذلك، فإن إقدام الإمارات على إقامة علاقات ديبلوماسية تطبيعية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي يتجاوز مسألة التطبيع التقليدي الذي ساد أجواء المنطقة قبل خطة أبراهام، إذ لم يعد الأمر يتعلق بعلاقات كاملة بين دولتين، بل يتجاوز ذلك إلى رسم خارطة سياسية جديدة للمنطقة، تعتقد الإمارات والدول التي ستلتحق بها أنها ستكون أحد مراكز القوى الفاعلة في هذه الخارطة التي اقتسمها حتى الآن قطبان إقليميان، وهما: تركيا وإيران، وذلك بعد انزياح الفاعلين العرب التقليديين من هذه الخارطة، مثل: مصر والعراق وسورية، بأساليب مختلفة أدت إلى مغادرتها موقع الفعل العربي والإقليمي، وظلت إسرائيل وتركيا وإيران هي ركائز النظام الإقليمي الجديد، وبدخول بعض دول الخليج العربي إلى خطوط هذه الخارطة تصبح إسرائيل هي المركز الإقليمي الأكثر فعالية مقارنة بالقطبين الآخرين تركيا وإيران، فإسرائيل في مثل هذا الوضع باتت تمتلك مقومات القوة الكبرى الكافية لمقارعة القطبين الآخرين وإزاحتهما جانباً من الخارطة السياسية الجديدة للمنطقة.
من هنا، تعتقد الإمارات وبعض أنظمة الخليج، في ظل تناقض علاقاتها مع القطبين تركيا وإيران لأسباب عديدة، أنّ مكانتها ومركزها في هذه الخارطة ممكن أن تتحقق فقط نحو القطب الذي سيصبح مركز هذه الخارطة أي إسرائيل، ما يتيح لها كما تتخيل أن يسند لها دور إقليمي يكون له فاعلية فقط من خلال سيادة المركز الإسرائيلي على كل الخارطة السياسية الإقليمية، وإقامة علاقات كاملة مع دولة المركز أي إسرائيل، من خلال التطبيع، ما هو إلا الخطوة الأولى الضرورية للوصول إلى تحولات قادمة ربما أسرع من إمكانية متابعتها نحو بناء نظام إقليمي جديد قادر على إنقاذ النظام الإقليمي العربي الهش على حساب القطبين الآخرين بعد تراجع دورهما وفعاليتهما، وما جولة وزير الخارجية بومبيو هذه الأيام إلى المنطقة إلا تدشين لهذه الخارطة السياسية الجديدة.
[email protected]
أضف تعليق